كتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

عمرو بن سعد (¬١) فأطاف بمنازلهم فرأى خرابها، ففكَر ثم رجع إلى بني قُرَيْظَةَ فوجدهم في الكنيسة، فنفخ في بُوْقِهِم فاجتمعوا، فقال الزُّبَيْرُ بنُ بَاطَا: يا أبا سعيد أين كنتَ منذ اليوم فلم نَرَكَ؟ -وكان لا يفارقُ الكنيسة وكان يَتَألَّهُ في اليهودية- قال: رأيت اليوم عِبَرًا اعتبرنا بها، رأيت إخواننا قد جلوا بعد ذلك العزِّ والجَلَد والشَّرَف الفاضل والعقل البارع، قد تركوا أموالهم ومَلَكَها غيرُهم، وخرجوا خروجَ ذلٍّ، ولا -والتوراة- ما سُلِّط هذا على قوم قَطُّ لله بهم حاجة.
وقد أوقع قبل ذلك بابن الأشْرَفِ (في عزة بنيانه) (¬٢) في بيته آمنًا، وأوقع بابن سُنَيْنَةَ، سيِّدِهم، وأوقع ببني قَيْنُقَاع فأجلاهم (¬٣) وهم جلُّ اليهود، وكانوا أهل عدة وسلاح ونجدة، فحصرهم النبيُّ عليه السلام، فلم يخرج إنسانٌ منهم رأسَهُ حتى سَبَاهُم، فكُلِّم فيهم فتركهم على أن أجلاهم من يَثْرِبَ، يا قوم قد رأيتم ما رأيتم فأطيعوني وتعالَوا نَتَّبِعْ محمدًا، فوالله إنكم لتعلمون أنَّه نبيٌّ وقد بَشَّرَنَا به وبأمره: ابنُ الهَيَّبان وأبو عمرو بن حوَّاس، وهما أعلم اليهود، جاءا من بيت المقدس يتوكفان قُدُومَهُ، وأَمَرَانَا باتِّباعه، وأَمَرَانَا أنْ نُقْرِئَه منهما السَّلامَ، ثم ماتا على دينهما ودَفنَّاهُمَا بحَرَّتِنَا، فأسكت القوم (¬٤) ، فلم يتكلَّمْ منهم متكلِّمٌ. فأعاد هذا الكلامَ ونحوه وخوَّفهم بالحرب والسِّبَاء والجلاء.
فقال الزُّبَيْرُ بن بَاطَا: قد -والتوراةِ- قرأت صفته في كتاب التوراة
---------------
(¬١) في "ج": "سعد بن باطا". والصواب: سُعْدَى.
(¬٢) في "ب، ج": "في غيره ببنائه".
(¬٣) في "ب، ج": "فجلاهم".
(¬٤) في "غ": "اليوم".

الصفحة 46