كتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وأسلافُهم وخيارهم قد أَخْبَرَنا الله -سبحانه- عن أذاهم لموسى، ونَهانَا عن التشبُّه بهم في ذلك فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (٦٩) } [الأحزاب: ٦٩].
وأما خَلَفُهم: فهم قَتَلَةُ الأنبياء؛ قتلوا زكريا وابنه يحيى وخَلْقًا كثيرًا من الأَنبياء، حتى قتلوا في يومِ سبعينَ نبيًّا وأقاموا السوق في آخر النهار كأنهم لم يصنعوا شيئًا (¬١) .
واجتمعوا على قتل المسيح وصَلْبِه، فصانَهُ الله من ذلك وأكرمه أن يُهِيْنَه على أيديهم، وألقى شَبَهَهُ على غيره فقتلوه وصلبوه، ورَامُوا قَتْلَ خاتَمِ النبيِّيْن مرارًا عديدة والله يعصمه منهم.
ومَنْ هذا شأنهم لا يكبر عليهم اختيار الكفر على الإيمان لسبب من الأسباب التي ذَكَرْنَا بعضها، أو سببين أو أكثر.
وقد ذكرنا اتِّفاق أمة الضَّلال وعُبَّاد الصليب على مَسَبَّة ربِّ العالمين أقبح مَسَبَّة، على ما يُعْلَم بطلانه بصريح (¬٢) العقل، فإنْ خَفِيَ عليهم أنَّ هذا مَسَبَّةٌ لله وأنَّ العقل يحكم ببطلانه وبفساده من أول وَهْلة: لم يكثر على تلك العقول السخيفة أنْ تَسُبَّ بشرًا أرْسَلَه الله، وتجحدَ (¬٣) نبوَّتَه، وتُكَابِرَ ما دَلَّ عليه صريحُ العَقْلِ من صِدْقه وصحَّةِ رسالته. فلو قالوا فيه ما قالوا لم يَبْلُغْ بعضَ قولهم في ربِّ الأرض والسموات الذي صاروا به
---------------
(¬١) انظر: "تفسير الطبري": (٦/ ٢٨٥)، "تفسير البغوي": (١/ ٣٣٥)، "الدر المنثور" للسيوطي: (٢/ ١٦٨).
(¬٢) في "ج": "تصريح".
(¬٣) في "ج": "يجحدوا" وفي "ب": "يجحد".

الصفحة 48