كتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

فأمةٌ أَطْبَقَتْ (¬١) على هذا في معبودها، كيف يكثر عليها أن تقول في عبده ورسوله: إنَّه ساحرٌ وكاذبٌ، وملك مسلَّط ونحو هذا؟!!.
ولهذا قال بعض ملوك الهند: أمَّا النصارى؛ فإن كان أعداؤهم من أهل الملل يجاهدونهم بالشَّرْع فأنا أرى جهادَهُمْ بالعقل، وإنْ كنَّا لا نرى قتالَ أحدٍ، لكني أستثني هؤلَاء القومَ من جميع العالم؛ لأنهم قصدوا مُضَادَّة العقلِ، وناصَبُوه العداوةَ، وشَذُّوا عن جميع مصالح العالم الشرعيَّة والعقليَّة الواضحةِ، واعتَقَدُوا كل مستحيلٍ ممكنًا، وبَنَوا من ذلك شرعًا لا يؤدِّي إلى صلاحِ نوعٍ من أنواع العالم؛ ولكنه يصير العاقلُ إذا شرع به أَخْرَقَ، والرشيدُ سفيهًا، والحَسَنُ قبيحًا، والقبيحُ حَسَنًا؛ لأن من كان في أصل عقيدته التي جرى نشؤه عليها: الإساءة إلى الخلاق والنيل منه، وسبّه أقْبَحَ مسبَّةٍ، ووصفه بما يغيِّر صفاتِه الحُسْنَى، فأخْلِقْ به أن يستسهل الإساءةَ إلى مخلوق، وأنْ يصفَه بما يغيِّر صفاتِه الجميلة!
فلو لم تجب مجاهدةُ هؤلاء القوم إلا لعموم إضرارهم الذي (¬٢) لا تحصى وجوهه، كما يجب قَتْلُ الحيوان المؤذي بطبعه = لكانوا أهلًا لذلك (¬٣) .
والمقصود: أن الذين اختاروا هذه المقالة في ربِّ العالمين على تعظيمه وتنزيهه وإجلاله ووصفه بما يليق به = هم الذين اختاروا الكُفْرَ
---------------
(¬١) في "ج": "طبقت".
(¬٢) في "ب، ج": "التي".
(¬٣) قال هذا الكلام أحد ملوك الهند لما ذكرت له الملل الثلاثة. انظر: "بين الإسلام والمسيحية: رسالة أبي عبيدة الخزرجي" تحقيق محمد شامة، ص (١٢٣ - ١٢٤).

الصفحة 51