كتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
"ألست تَرْأسُ قومَك"؟ قلتُ: بلَى، قال: "ألستَ تأخذ المِرْبَاعَ؟ " قلت: بلَى، قال: "فإنَّ ذلك لا يحل لك في دينك". قال: فوجدتُ بها عليَّ غضاضةً.
ثم قال: "لعلَّه أنْ يمنعَك أنْ تُسْلِمَ أنْ ترى عندنا خَصَاصةً، وترى النَّاس علينا إِلْبًا واحدًا، هل رأيتَ الحِيْرَةَ"؟ قلتُ: لم (¬١) أَرَهَا، وقد علمتُ مكانَها، قال: "فإن الظَّعِيْنَةَ سترحلُ من الحِيْرَة تطوفُ بالبيت بغير جوارٍ، وليفتحنَّ الله علينا كُنُوزَ كِسْرَى بنِ هُرْمُزَ". قلت: كِسْرَى بنِ هُرْمُزَ؟ قال: "كنوزُ كِسْرَى بنِ هُرْمُزَ، ولَيفِيْضُ المالُ حتَى يهتمَّ (¬٢) الرَّجُلُ مَنْ يقبلُ منه صَدَقَتَهُ".
قال: فقد رأيتُ الظَّعِيْنَةَ ترحل مِنَ الحِيْرَةِ بغير جوارٍ، وكنت في أوَّلِ خيلٍ أغارتْ على المَدَائِنِ. وواللهِ لتكونَنَّ الثالثةُ؛ إنَّه حديثُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقد كان "سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ" من أعلم النصارى بدينهم، وكان قد تيقَّن خروجَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَدِمَ المدينةَ قبل مبعثه، فلما رآه عرف أنَّه هو النبيُّ الذي بشَّر به المسيح، فآمن به واتَّبعه، ونحن نسوق قِصَّتَه:
قال ابن إسحاق (¬٣): حدَّثني عاصمُ، عن محمودٍ، عن ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- قال: حدَّثني سَلْمانُ الفارسيُّ مِنْ فيه، قال: كنت رجلًا فارسيًا من أهل أصْبَهَان من قريةٍ يُقَال لها جَيّ، وكان أبي دِهْقَان
---------------
(¬١) في "ج": "قلت: لا لم .. ".
(¬٢) في "غ، ج": "يهمّ".
(¬٣) "السيرة النبوية": (١/ ٢١٤) وما بعدها.