كتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
قال: انظُرْ يا عَمرو ما تقولُ، إنِّه ليس خصلةٌ في رجل أفْضَحَ له من كَذِبٍ، قلتُ: ما كذبتُ، وما نَسْتَحِلُّه في ديننا.
ثم قال: ما أرى هِرَقْلَ عَلِمَ بإسلام النَّجاشيَ! قلتُ: بلى، قال: بأيِّ شيءٍ علمتَ ذلك؟ قلت: كان النّجاشيُّ يُخْرِج له خَرَاجًا، فلمّا أسْلَمَ وصدَّق بمحمَّدٍ قال: لا والله، لو سألني درهمًا واحدًا ما أعطيتُهُ، فبلغ هِرَقْلَ قولُه، فقال له نياق (¬١) أخوه: أتَدَعُ عبدك لا يُخْرِجُ لك خراجًا ويدينُ دينًا مُحْدَثًا؟ قال هرقل: رجلٌ رغب في دينٍ، واختاره لنفسه، ما أصنع به، والله لولا الضَّنُّ (¬٢) بملكي لصنعتُ كما صَنَعَ. قال: انظر ما تقول يا عَمْرو؟ قلت: والله لقد صَدَقْتُكَ.
قال عَبْدٌ (¬٣) : فأخْبِرْني ما الذي يأمرُ به وينهى عنه؟ قلت: يأمر بطاعة الله -عزَّ وجلَّ- وينهى عن معصيته، ويأمر بالبِرِّ وصلةِ الرَّحِم، وينهى عن الظُّلم والعُدْوانِ، وعن الزِّنا وشُرْبِ الخمر، وعن عبادةِ الحَجَر والوَثَنِ والصَّليب.
فقال: ما أحسن هذا الذي يدعو إليه! لو كان أخي يُتَابعُني لركبنا حتى نؤمنَ بمحمّدٍ ونصدِّقَ به، ولكنّ أخي أضنُّ بملكه مِنْ أَنْ يَدَعَه (¬٤) ويصير دينًا (¬٥) .
قلت: إنَّه إنْ أسْلَمَ ملَّكَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على قومِه؛ فأخذ الصدقة من
---------------
(¬١) في "ج، غ": "يناق".
(¬٢) في "غ": "الظن".
(¬٣) في "ج": "عنك".
(¬٤) في "ج": "يدعيه".
(¬٥) في "زاد المعاد": "ذنبًا". وقوله: دينًا، أي: تابعًا خاضعًا لغيره.