كتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: المقدمة)

مواقف إيجابية حكاها القرآن الكريم:
ولكن فريقًا من أهل الكتاب، من الذين فتح الله قلوبهم للحق والإيمان, وأبصارهم للهدى والنور، فأدركوا حقيقة الدعوة التي انتظروها والنبي الذي كانوا يستفتحون به، هذا الفريق قد آمن فعلًا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - واتبعه، ولِمَ لا يؤمنون؟ وقد قامت الأدلة كلها على صدق هذا النبي، بعد أن بشرت به كتبهم ورأوا أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم - وقد حكى الله تعالى ذلك وسجَّله فقال: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (¬١) [الإسراء/ ١٠٧ - ١٠٩] , وقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} (¬٢) [القصص/ ٥٢ - ٥٥] ... في آيات كثيرة في هذا المعنى، وسيأتي بعضها أيضًا في مناسبات أخرى.
وحفظها الواقع التاريخي:
وحفظ لنا الواقع التاريخي تصديق ذلك، بإسلام أكثر أهل العقول والأحلام والعلوم ممن لا يحصيهم إلا الله، من أولئك الذين عرفوا الحق من أهل الكتاب، فرقعة الإسلام إنما انتشرت في الشرق والغرب بإسلام أكثر الطوائف، فدخلوا في دين الله أفواجًا، حتى صار الكفار معهم تحت
_________
(¬١) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ١٥٣ - ١٥٤)، ابن كثير (٣/ ٦٩).
(¬٢) انظر: البغوي مع الخازن (٥/ ١٤٧)، وابن كثير (٣/ ٣٩٤ - ٣٩٥).

الصفحة 37