كتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: المقدمة)

وبنبوته كان نفس ظهوره تصديقًا لها، ثم بشَّر برسول يأتي من بعده، فكان ظهور الرسول المبشر به تصديقًا له، كما كان ظهوره تصديقًا للتوراة، فعادة الله في رسله: أنّ السابق يبشر باللاحق، واللاحق يصدق السابق، فلو لم يظهر محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبعث لبطلت نبوة الأنبياء قبله (¬١) .
عهد وميثاق ...
ومن حكمة الله سبحانه أنه ما بعث نبيًا إلا وقد أخذ عليه وعلى أتباعه العهد أن يؤمنوا بالنبي الذي يأتي بعده ويصدقوه وينصروه {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران/ ٨١ - ٨٢] فقد أخبر الله تعالى أنه أخذ الميثاق من أنبيائه بتصديق بعضهم بعضًا، وأخذ الأنبياء على أممهم وأتباعهم الميثاق بنحو الذي أخذ عليها ربها من تصديق أنبياء الله ورسله بما جاءتها به؛ لأن الأنبياء عليهم السلام أرسلوا بذلك إلى أممهم، ولم يدّع أحد ممن صدّق المرسلين أن نبيًا أُرسل إلى أمة بتكذيب أحد من أنبياء الله عز وجل وحججه في عباده، بل كلها -وإن كذب بعض الأمم بعضَ أنبياء الله بجحودها نبوته- مقرّة بأنّ مَنْ ثبتت صحة نبوته -فعليها الدينونة بتصديقه، فذلك ميثاق مقرٌّ به جميعهم (¬٢) .
فمهما آتى الله أحدَهم من كتاب وحكمة وبلغ أي مبلغ، ثم جاء رسول من بعده لابد أن يؤمن به وينصره، ولا يمنعه ما هو فيه من العلم
_________
(¬١) ص (٣٧١ - ٣٧٢) فيما سيأتي.
(¬٢) تفسير الطبري (٦/ ٥٥٧) بتحقيق محمود شاكر.

الصفحة 41