كتاب حلم معاوية لابن أبي الدنيا

26 - وبإسنادٍ: أن أعرابياً كان على عهد معاوية، قالت له امرأته وبناته: لو أتيت أمير المؤمنين، فسألته وأخبرته بحالك، لعل الله يرزقك منه شيئاً. قال: إنه ليس بيدي شيءٌ. فباعوا حلياً ومتاعاً لهم، وتجهز حتى أتى معاوية، فدخل عليه وقد نصب في الطريق، فرأى جماعة الناس على معاوية، فلم يقدر على كلامه، فدار خلفه فقعد خلف السرير على مثل بين وسادتين، فجعل يخفق برأسه لما لقي من العياء في طريقه، فنام وتفرق الناس عن معاوية.
فلما أمسوا وخرج للمغرب، ثم رجع فتعشى وخرج لصلاة العشاء، والشيخ نائمٌ لا يعلم، حتى ذهب هوي من الليل، فدخل معاوية على أهله، فانتبه الشيخ لما أصابه برد الليل، فإذا هو بالسرج، وإذا ليس بالبيت أحدٌ غيره، فقام فخرج إلى الدار، فإذا الأبواب مقفلةٌ، فاسترجع، وقال: إنا لله، جئت أطلب الخير، فالآن أوخذ بظن أني جئت أغتال أمير المؤمنين. فجعل يطلب مكاناً يختبئ فيه إلى أن يصبح، فلم يجد، فدخل تحت سرير معاوية.
فلما ذهب هوي من الليل، إذا معاوية قد أقبل؛ شيخٌ ضخم البطن، متوشحٌ بملحفةٍ حمراء، حتى قعد على السرير، والشيخ ينظر، وهو يسترجع في نفسه، يقول: الآن أقتل. ثم قال معاوية: يا غلام؛ فأتاه بعض الوصفاء، فقال: انطلق إلى ابنة قرظة، فادعها. فأتاها، فقالت: لا أستطيع؛ فرده إليها، فقال: عزمت عليك؛ فجاءت تمشي -[29]- ومعها جوارٍ يسترنها، حتى قعدت على السرير معه، وطرن الجواري. فكلمها معاوية ساعةً ثم قال: عزمت عليك إلا نزلت فمشيت؛ ورمى عنها ثيابها، وبقيت في درعٍ رقيقٍ من قز، يستبين منه جميع جسدها، فمشت؛ فقال: أقبلي، فأقبلت؛ ثم قال: أدبري، فأدبرت؛ والشيخ ينظر، ثم أقبلت، فإذا هي ببريق عين الشيخ من تحت السرير، فصاحت وقالت: افتضحت؛ وقعدت وتقنعت بيدها، فقام معاوية إليها فقال: ما لك، ويحك، قالت: رجلٌ تحت السرير. فأدخل معاوية يده، فأخذ برأسه، فإذا شعيراتٌ، فجعل لا يقدر على أن يقبض على شعره؛ فلما علم أنه شيخٌ كبيرٌ تركه. ولبست ابنة قرظة ثيابها، وانطلقت إلى بيتها؛ وخرج الشيخ إلى معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، لينفعني عندك الصدق. قال: هيه. فقص عليه القصة، فقال: لا بأس عليك، وجعل معاوية يضحك، وجعل يسائله؛ فإذا الأعرابي منظرٌ، لا يسأله عن شيءٍ إلا أخبره.
فلما أصبح دعا معاوية خصياً له، فقال: خذ بيد هذا، فأدخله على بنت قرظة، وقل لها: إن هذا الذي تخلاك البارحة، وللخلوة نحلةٌ، فأعطيه نحلته.
فأدخله الخصي عليها، وأخبرها بما قال معاوية، فصاحت بالخادم فخرج، وحبست الأعرابي وقالت: ويحك، ما قصتك؟ فقص عليها القصة، فأعطته، وأوقرت راحلته ثياباً وغير ذلك، وقالت له: إذا خرجت من عندي، فلا تقيمن في هذه البلاد، فإن رآك أحدٌ بها نكلت بك؛ وخافت أن يقيم، فكلما ذكره معاوية دعاه فذكر له ما كان؛ ثم قالت لغلام لها: انطلق فاحمله وما معه على الراحلة، ثم انخس به حتى تخرجه من هذه الأرض. -[30]- فانطلق الأعرابي وقد أصاب حاجته.

الصفحة 28