كتاب الحدائق في المطالب العالية الفلسفية العويصة

عز وَجل لَا يُوصف بِالْمَكَانِ وَلَا بِالزَّمَانِ وَكَذَلِكَ كل مَعْقُول لَا مَادَّة لَهُ وَإِنَّمَا أُرِيد بِذكر الْقرب والبعد مراتبها فِي الْوُجُود
وَأقرب مَا يمثل بِهِ وجود الموجودات عَنهُ تَعَالَى وجود الْأَعْدَاد عَن الْوَاحِد وَإِن كَانَ البارئ تَعَالَى لَا يجوز أَن يشبه بِشَيْء وَكَذَلِكَ صِفَاته وأفعاله وَلكنه على جِهَة التَّقْرِيب فَكَمَا أَن الثَّلَاثَة لَا تُوجد عَن الْوَاحِد إِلَّا بتوسط وجود الِاثْنَيْنِ كَذَلِك الْأَرْبَعَة لَا تُوجد إِلَّا بتوسط وجود الثَّلَاثَة والاثنين وَلَا تُوجد الْخَمْسَة إِلَّا بتوسط وجود الْأَرْبَعَة وَالثَّلَاثَة والاثنين وَكَذَلِكَ سَائِر الْأَعْدَاد
وَلِهَذَا صَار وجود كل وَاحِد عِلّة لوُجُود مَا بعده مَعَ كَون الْوَاحِد عِلّة لوُجُود جَمِيعهَا إِذْ كَانَ لَا يَصح وجود الْأَبْعَد إِلَّا بوساطة وجود الْأَقْرَب فَكَذَلِك يمثل بالتقريب وجود الموجودات عَن البارئ تَعَالَى لَا على الْحَقِيقَة
وَمَعْلُوم أَن الشَّيْء لَا يشبه بِغَيْرِهِ من جَمِيع جهاته إِنَّمَا يشبه بِهِ فِي بعض مَعَانِيه وَصِفَاته فَلَمَّا كَانَ وجود الموجودات عَنهُ تَعَالَى على هَذِه

الصفحة 36