كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 1)

ديني أو دنياي أو يصدّني عن فعل ما أمرت به أو يحثّني على فعل ما نهيت عنه، فإنّ الشيطان لا يكفّه عن الإنسان إلّا الله تعالى، انتهى منه. ومعنى: (أعوذ بالله) ألتجىء إليه، وأمتنع به مما أخشاه، أو أستجير، أو أستغيث، من شرّ الشيطان، أي: من ضرر الشخص المبعد من رحمة الله، (الرجيم) أي: المطرود الملعون عند الله والملائكة والناس أجمعين. وإنما (¬1) لم يقيّد المستعاذ منه بشيء من قبائحه ومضارّه، كالهمز، واللمز، واللمس، والوسوسة، والنزعة، وغيرها؛ لتذهب الهمّة كلّ مذهب ليستعاذ من شرّه عموما.
والخامس في إعرابها: وأما إعراب هذه الجملة فتقول فيه: (أعوذ): فعل مضارع مرفوع بالضمّة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا لإسناده إلى المتكلم، تقديره: أنا، يعود على المستجير، والجملة الفعلية مستأنفة استئنافا نحويّا، لا محلّ لها من الإعراب. (بالله): جار ومجرور، متعلّق بأعوذ، (من الشيطان): جار ومجرور، متعلّق بأعوذ أيضا، وجوّز ذلك: اختلاف لفظهما ومعناهما، (الرجيم): صفة ذمّ للشيطان، مجرور بالكسرة الظاهرة.
والسادس في مفرداتها وتصاريفها: وأمّا مفرداتها وتصاريفها فتقول في بيانهما: الاستعاذة مصدر قياسيّ لاستعوذ، معناه: الالتجاء والاعتصام، كما مرّ آنفا. يقال: استعاذ يستعيذ استعاذة إذا تحصّن بشيء من شيء. وأصل الاستعاذة استعواذ، نقلت حركة الواو إلى الساكن قبلها فقلبت الواو ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها الآن، فالتقى ساكنان، وهما: ألف عين الكلمة وألف الاستفعال فحذفت ألف الاستفعال لالتقاء الساكنين، وعوضوا عنها التاء فصار استعاذة بوزن استفعالة، وهو أجوف واويّ؛ لأنّه من عاذ، يعوذ، عوذا، كقال:
يقول، قولا. والعوذ (¬2) والعياذ: مصدران كاللّوذ واللّياذ والصوم والصيام. وقول القائل: (أعوذ): إخبار عن فعله، وهو في التقدير سؤال الله عزّ وجلّ من فضله،
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) روح البيان.

الصفحة 15