كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: المقدمة)

نسخ إلى غير بدل؛ بمعنى: رفع الحكم، وإبطاله من غير أن يقيم له بدلا. يقال: نسخت الريح الديار؛ أي: أبطلتها، وأزالتها. وأمّا النسخ بمعنى النقل فهو: من قولك: نسخت الكتاب ما فيه؛ إذا نقلته من غير إبطال للأول، وليس المراد به إعدام ما فيه، ومنه قوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} يريد نقله إلى الصحف، أو من الصحف إلى غيرها، غير أن المعروف من النسخ في القرآن هو: إبطال الحكم مع إثبات الخطّ، وكذلك هو في السنة، أو في الكتاب: أن تكون الآية الناسخة، والمنسوخة ثابتتين في التلاوة، إلا أن المنسوخة لا يعمل بها، مثل: عدة المتوفى عنها زوجها كانت سنة؛ لقوله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}.
وأمّا حدّه: فمنهم من قال: إنه بيان انتهاء مدة العبادة.
وقيل: انقضاء العبادة التي ظاهرها الدوام. وقال بعضهم: رفع الحكم بعد ثبوته. ونسخ الآية: بيان انتهاء التعبّد بتلاوتها، أو بالحكم المستفاد منها، أو بهما جميعا؛ لمصلحة تقتضي ذلك.
والنسخ أقسامه ثلاثة: إمّا نسخ التلاوة والحكم معا، كقوله: (عشر رضعات يحرمن) نسخ لفظه وحكمه، بخمس رضعات، وكما روي عن أنس بن مالك قال: (كنّا نقرأ سورة تعدل (سورة التوبة)، ما أحفظ منها إلا هذه الآية: (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لا بتغى إليهما ثالثا ولو أن له ثالثا لابتغى إليه رابعا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب).

الصفحة 117