كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 2)

نفسه، وأمر سبحانه بالإحسان بالمال في حقِّ أقوامٍ مخصوصين، وهم الوالدان، والأقرباء، واليتامى، والمساكين، ولمَّا كان (¬1) المال لا يسع الكُلَّ، أمر بمعاملة الناس كلهم بالقول الجميل الذي لا يعجز عنه العاقل؛ يعني: وألينوا لهم القول بحسن المعاشرة وحسن الخلق، ومروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، إن كان المراد بالمخاطبين الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام، كما هو الظاهر، والقول الحسن: هو الذي يحصل انتفاعهم به.
وقيل المعنى: قولوا للناس صدقًا وحقًّا في شأن محمد - صلى الله عليه وسلم -، فمن سألكم عنه فاصدقوه وبيِّنوا صفته، ولا تكتموها، كما قاله ابن عباس - رضي الله عنهما - إن كان الخطاب للحاضرين في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي القيام بهذه الفرائض إصلاحٌ لحال المجتمع، وسعيٌ في رُقيِّه وتقدُّمه حتى يبلغ ذروة المجد والشرف. وقرأ حمزة، والكسائي، ويعقوب (¬2): {حَسَنًا} بفتحتين على أنّه صفة مشبهة لمصدر محذوف، تقديره: وقولوا للناس قولًا حسنًا. وقرأ الباقون: {حُسْنًا} بضمّ الحاء وسكون السين على أنّه مصدر وصف به مبالغةً. وقرأ عطاء بن أبي رباح، وعيسى بن عمر: {حُسُنًا} بضمّهما، فضمّة السين اتباع بضمّة الحاء، وهي قراءة شاذة. وقرأ أبي، وطلحة بن مصرف: {حُسْنَى} على وزن فُعْلى على أنّه مصدر كالرُّجْعَى، والعُقْبَى، والبشرى. وقرأ الجحدريّ: {إحسانًا} على أنّه نعت لمصدر محذوف؛ أي: قولًا إحسانًا، وإحسانًا مصدرٌ من أحسن الذي همزته للصيرورة؛ أي: قولًا ذا حسنٍ، كما تقول أعشبت الأرض إعشابًا؛ أي: صارت ذات عُشْبٍ.
وبعد أن أمرهم سبحانه بعبادته وحده على سبيل الإجمال، فصَّل بعضًا من ذلك ممَّا لا يُهتدى إليه إلّا بهُدًى إلهيّ، ووحيٍ سماويٍّ، فقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}؛ أي: أدّوا الصلاة التي فرضت عليكم في ملتكم وشريعتكم، فقبلتم
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) البحر المحيط بتصرف.

الصفحة 36