كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 3)

للفاعل، وكل من الشيطان والقوة الحيوانية، وما خلقه الله فيها من الأمور البهيمية، والأشياء الشهوية مزين بالعرض، وإنما لم (¬1) يلحق الفعل علامة التأنيث لكونه مؤنثًا مجازيًا، وحسن ذلك الفصل، وقرأ ابن أبي عبلة شذوذًا: {زينت} بالتأنيث مراعاة للفظ، وقرأ مجاهد، وأبو حيوة شذوذًا أيضًا {زَين} - بفتح الزاي مبنيًّا للفاعل، الحياة مفعول، والفاعل هو الله تعالى، والمعتزلة (¬2) يقولون: إنه الشيطان، وهذا تأويل ضعيف؛ لأن قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} يتناول جميع الكفار، فيدخل فيه الشيطان وغواة الجن والإنس، وإن كلهم مزين لهم، وهذا المزين لا بد وأن يكون مغايرًا لهم، فثبت بهذا ضعف قول المعتزلة.
وقيل: إن المراد من التزيين أنه تعالى أمهلهم في الدنيا حتى أقبلوا عليها وأحبوها، فكان هذا الإمهال هو التزيين.
قيل: نزلت هذه الآية (¬3) في مشركي العرب، أبي جهل وأضرابه؛ لأنهم كانوا يتنعمون بما بسط لهم في الدنيا من المال، ويكذبون بالمعاد، وقيل: نزلت في المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه، وقيل: نزلت في رؤساء اليهود، ويحتمل أنها نزلت في الكل {و} هم {يسخرون من الذين آمنوا} ويستهزؤون بفقراءهم بضيق معيشتهم، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: مثل عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وصهيب، وبلال، ونظرائهم رضي الله عنهم، وقيل: كانوا يقولون: انظروا إلى هؤلاء الذين يزعم محمَّد أنه يغلب بهم {وَالَّذِينَ اتَّقَوْا} عن الشرك، وعن الدنيا الشاغلة عن الله تعالى، وهم فقراء المؤمنين {فَوْقَهُمْ}؛ أي: فوق الكفار حسًّا {يَوْمَ الْقِيَامَةِ}؛ لأن المؤمنين في عليين، والكافرين في سجين، والمعنى: لأنهم في أوج الكرامة، وهم في حضيض المذلة، ولأن سخرية المؤمنين بالكفار يوم القيامة فوق سخرية الكافرين بالمؤمنين في الدنيا.
¬__________
(¬1) جمل.
(¬2) الخازن.
(¬3) الخازن.

الصفحة 243