كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 3)

فاعل ذلك، والمعنى حينئذٍ: أن لكل صاحب ملة قبلةٌ، الله موليها إياه؛ أي: أمر بأن يستقبلها، اتبعها من اتبعها، وتركها من تركها؛ يعني: شارعها ومكلِّفهم بها.
وقرأ الجمهور (¬1): {وَلِكُلٍّ} منوَّنًا: {وِجْهَةٌ} مرفوعًا، {هُوَ مُوَلِّيهَا} بكسر اللام اسم فاعل.
وفي قراءة عبد الله بن عامر النخعي {هوَ مُوَلَّاها} بفتح اللام اسم مفعول، وهي قراءة ابن عباس، وأبي جعفر محمد بن علي الباقر، والمعنى: {هو}؛ أي: كل قوم مولَّى لتلك الجهة؛ أي: مأمور باستقبالها، وقرىء شاذًا: {ولكلِّ وجهةٍ} بالإضافة؛ أي: بخفض اللام من {كل} بلا تنوين، {وجهةٍ} بالخفضِ منونًا على الإضافة، قال في "الكشاف": والمعنى عليها: وكل وجهة وقبلة الله موليها، فزيدت اللام لتقدم المفعول، كقولك لزيد ضربت. وقال ابن جرير: هي خطأ لا سيما وهي معزوة إلى ابن عامر أحد القراء السبعة، وقرأ أبي: (ولكل قبلة) وهي قراءة شاذة، وقرأ عبد الله: {ولكل جعلنا قبلة} وهي قراءة شاذة أيضًا.
{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}؛ أي: فبادروا - يا أمة محمد - إلى الطاعات والأعمال الصالحة، وقبول أوامرها، من التوجه إلى القبلة وغيره مما تنال به سعادة الدارين. {أَيْنَ مَا تَكُونُوا}؛ أي: في أي موضع تكونوا من برٍّ أو بحرٍ أنتم وأعداءكم من موافق ومخالف، مجتمع الأجزاء ومفترقها {يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا}؛ أي: يبعثكم الله جميعًا، ويحشركم إلى المحشر يوم القيامة للمجازاة، فيجازيكم على أعمالكم خيرًا أو شرًّا، أو (¬2) أينما تكونوا من أعماق الأرض، وقلل الجبال يقبض أرواحكم، أو أينما تكونوا من الجهات المتقابلة .. يأت بكم الله جميعًا، ويجعل صلواتكم كأنّها إلى جهةٍ واحدة {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} شاءه مِنْ جَمْعِكم وغيره {قَدِيرٌ}؛ أي: قادر يقدر على الإعادة بعد الموت، والإثابة لأهل الطاعة، والعقاب لمستحق العقوبة.
¬__________
(¬1) شوكاني.
(¬2) البحر المحيط.

الصفحة 31