كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 4)

الحقيقة التذكير، أي: وإنما اشترط التعدد؛ لأجل أن تذكِّر الذاكرةُ منهما الناسية للشهادة، ولكن لما كان الضلال سببًا له نزل منزلته؛ كقولهم: أعددت السلاح أن يجيء عدو فأدفعه. قرأ حمزة والأعمش (¬1): {إِنْ تَضِلَّ} بكسر الهمزة، وجعلها حرف شرط. {فتذكرُ} بالتشديد ورفع الراء، وجعله جواب الشرط. وقرأ الباقون: بفتح همزة أن، وهي الناصبة، وفتح راء {فتذكرَ} عطفًا على {أَنْ تَضِلَّ}، وسَكَّن الذالَ وخفف الكاف ابن كثير، وأبو عمرو ويعقوب. وفَتَح الذال وشدد الكاف الباقون من السبعة. وقرأ الجحدري وعيسى بن عمران شذوذًا {تُضَل} بضم التاء وفتح الضاد مبنيًّا للمفعول بمعنى: تنسى. كذا حكى عنهما الداني، وحكى النقاش عن الجحدري شذوذًا: {أن تُضِل} بضم التاء وكسر الضاد بمعنى: أن تضل الشهادة. تقول: أضللت الفرس والبعير إذا ذهبا فلم تجدهما. وقرأ زيد بن أسلم شذوذًا: {فتذاكر} من المذاكرة.
{وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ}؛ أي: إقامة الشهادة {إِذَا مَا دُعُوا}؛ أي: ولا يمتنع الشهداء إذا دعوا إلى تحمل الشهادة وأدائها عند الحكام، فيحرم الامتناع عليهم؛ لأن تحمل الشهادة فرض كفاية مطلقًا، والأداء كذلك، إن زاد المتحملون على من يثبت بهم الحق وإلا ففرض عين. {وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ}؛ أي: ولا تملوا أن تكتبوا الدَّين؛ لكثرة وقوع المداينة على أي حال كان الدين {صَغِيرًا} كان {أَوْ كَبِيرًا}، قليلًا كان أو كثيرًا، وعلى أي حال كان الكتاب مختصرًا أو مشبعًا حال كون ذلك الدَّين مستقرًا في ذمة المديون {إِلَى أَجَلِهِ}؛ أي: إلى وقت حلول أجله الذي أقر به المديون؛ أي: فاكتبوا الدين بصفة أجله، ولا تهملوا الأجل في الكتابة، فقوله: {وَلَا تَسْأَمُوا} معطوف على قوله: {فَاكْتُبُوهُ}. {ذَلِكُمْ} إشارة إلى {أَنْ تَكْتُبُوهُ}؛ أي: ذلكم المذكور من كتابة الدين إلى أجله {أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}؛ أي: أكثر قسطًا وعدلًا في حكم الله، أو في علمه؛ لأنه أمر به، واتباع
¬__________
(¬1) البحر المحيط.

الصفحة 126