كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 4)

لأن الإشهاد يكفي فيها عن الكتابة. وقيل معناه: إذا تبايعتم؛ أيَّ تبايع كان حاضرًا أو كالئًا؛ لأن ذلك أدفع لمادة الخلاف، وأقطع لمنشأ التشاجر. والأوامر التي في هذه الآية للاستحباب عند أكثر الأئمة. وقيل: إنها للوجوب، ثم اختلف في أحكامها ونسخها فقيل: إنها منسوخة بقوله: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}.
{وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} يحتمل أن يكون مبنيًّا للفاعل، فالمعنى على هذا: ولا يضار كاتب صاحب الحق، أو من عليه الحق، فيأبى أن يكتب أو يزيد في الحق أو ينقص فيه، أو يحرِّف ما أملى عليه، ولا يضار شاهد صاحب الحق أو من عليه الحق فيأبى أن يشهد أو يزيد في شهادته أو ينقص، فعلى هذا يكون نهيًا للكاتب والشاهد عن إضرار من له الحق أو عليه الحق، ويدل على ذلك قراءة عمر رضي الله عنه شذوذًا: {ولا يضارِر} بالفك والكسر، واختار الزجاج هذا القول؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ}؛ وذلك لأن اسم الفسق بمن يحرف الكتابة، وبمن يمتنع عن الشهادة حتى يبطل الحق بالكليَّة أولى منه بمن أبرم الكاتب والشهيد؛ ولأنه تعالى قال فيمن يمتنع من الشهادة: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} والآثم والفاسق متقاربان. وقال ابن عباس ومجاهد وعطاء: بأن يقولا علينا شغل ولنا حاجة.
ويحتمل أن يكون مبنيًّا للمفعول، فالمعنى على هذا: {ولا يضارَر} بفتح الراء الأولى {كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} بأن يدعيا إلى ذلك، وهما مشغولان بمهمٍّ لهما ويضيق عليهما في الإجابة، ويؤذيا إن حصل منهما التراخي، أو يطلب منهما الحضور من مكان بعيد، وكأن يكلفا بما لا يليق في الكتابة والشهادة، ولا يعطى الكاتب جُعْله، ولا الشهيد مؤنة مجيئه حيث كانت، فإن لهما طلب الجُعْل، ولا يكلفان الكتابة والشهادة مجانًا، فعلى هذا يكون نهيًا لصاحب الحق أو من عليه الحق عن إضرار الكاتب والشاهد، ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود شذوذًا: {ولا يضارَر} بالفك وفتح الراء الأولى، ولو كان هذا نهيًا للكاتب والشاهد لقيل: وإن تفعلا فإنه فسوق بكما.

الصفحة 128