كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 4)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن الله تعالى تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يعملوا به أو يتكلموا به" وفي رواية: "ما وسوست به صدورها" متفق عليه.
{فَيَغْفِرُ} بفضله {لِمَنْ يَشَاءُ} المغفرة له {وَيُعَذِّبُ} بعَدْله {مَنْ يَشَاءُ} تعذيبه، وقد يغفر لمن يشاء الذنب العظيم، وقد يعذب من يشاء على الذنب الحقير لا يُسأل عما يفعل. {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} شاءَه من المحاسبة والمغفرة والتعذيب وغيرها {قَدِيرٌ}؛ أي: قادر.
وقرأ ابن (¬1) عامر وعاصم ويزيد ويعقوب وسهل: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} بالرفع فيهما على القطع والاستئناف على أن يجعل الفعل خبر مبتدأ محذوف؛ أي: فهو يغفر. وقرأ باقي السبعة: بالجزم عطفًا على الجواب، وقرأ ابن عباس والأعرج وأبو حيوة شذوذًا: بالنصب فيهما على إضمار: أن، فينسَبِك منها مع ما بعدها مصدر مرفوع معطوف على مصدر متوهم من الحساب تقديره: يكن محاسبة فمغفرة وتعذيب، وهذه الأوجه قد جاءت في قول الشاعر:
فَإنْ يَهْلِكْ أَبُوْ قَابُوْسَ يَهْلِكْ ... رَبِيْعُ النَّاسِ وَالشَهْرُ الْحَرَامُ
وَنَأْخُذُ بَعْدَهُ بِذِنَابِ عَيْشٍ ... أَجَبِّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سِنَامُ
يروى بجزم: ونأخذ، ورفعه ونصبه.
وقرأ الجعفي وخلاد وطلحة بن مصرف شذوذًا أيضًا: {يغفر لمن يشاء}، ويروى أنها كذلك في مصحف عبد الله، قال ابن جني: هي على البدل من {يُحَاسِبْكُمْ}؛ فهي تفسير للمحاسبة. انتهى. قيل: وليس بتفسير بل هما مترتبان على المحاسبة.

285 - {آمَنَ الرَّسُولُ}؛ أي: صدق الرسول محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ}؛ أي: بأن هذا القرآن وجملة ما فيه من الشرائع والأحكام منزلٌ عليه
¬__________
(¬1) البحر المحيط.

الصفحة 147