كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 4)

وانجذاب، والشر تشتهيه النفس، وتنجذب إليه، فكانت أجد في تحصيله وأعمل، بخلاف الخير فإنه ثقيل عليها. وجاء في الخير بـ {اللام}؛ لأنه ما يفرح به ويسر، فأضيف إلى ملكه، وجاء في الشر بـ {على} من حيث هو أوزار وأثقال، فجعلت قد عَلَته، وصار تحتها يحملها، وهذا كما تقول: لي مال وعليَّ دين.
وقولوا في دعائكم: يا {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا}؛ أي: لا تعاقبنا {إِنْ نَسِينَا} طاعتك؛ أي: إن تركنا أمرًا من أوامرك نسيانًا {أَوْ أَخْطَأْنَا} في أمرك إن تركنا الصواب فيه لا عن تعمد، كتأخير الصلاة عن وقتها في حالة الغيم جهلًا به، وكقتل الخطأ المشهور، وهذا تعليم منه سبحانه وتعالى عباده المؤمنين كيف يدعونه، ومعناه: قولوا في دعائكم: ربنا لا تؤاخذنا؛ أي: لا تعاقبنا بإثمِ ما يصدر منا من هذين الأمرين.
وقد (¬1) استشكل هذا الدعاء جماعة من المُفسِّرين وغيرهم قائلين: إن النسيان والخطأ مغفوران غير مؤاخذ بهما، فالدعاء بذلك من تحصيل الحاصل. وأجيب عن ذلك: بأن المراد طلب ترك المؤاخذة بما صدر عنهم من الأسباب المؤدية إلى النسيان والخطأ من التفريط، وعدم المبالاة، لا من النسيان والخطأ، فإنه لا مؤاخذة بهما، كما يفيد ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" أخرجه ابن ماجه وابن منذر وابن حبان في "صحيحه" والطبراني والدارقطني والحاكم والبيهقي في "سننه" وغيرهم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وقيل: إنه للإنسان أن يدعو بحصول ما هو حاصل له قبل الدعاء لقصد استدامته. وقيل: سؤاله على سبيل إظهار النعمة والتحدث بها على حد: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}، والصحيح أنه يختلف ذلك باختلاف الوقائع، فقسمٌ: لا يسقط باتفاق، كالغرامات والدِّيات والصلوات المفروضات، وقسم: يسقط باتفاق، كالقصاص والنطق بكلمة الكفر، وقسم ثالث مختلف فيه: كمن أكل ناسيًا في رمضان، أو حنث ساهيًا، وما كان مثله مما يقع
¬__________
(¬1) الشوكاني.

الصفحة 150