كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 4)

خطأً أو نسيانًا، ويعرف ذلك في الفروع. انتهى. ومن هنا إلى آخر السورة سبع دعوات مستجابة.
{رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا}؛ أي: وقولوا يا ربنا لا تكلفنا بالأمور الشاقة {كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} من بني إسرائيل؛ أي: لا تشدد علينا في التكاليف كما شددت على من قبلنا من اليهود. وفي قراءة أُبيّ بالتشديد شذوذًا في: {ولا تحمِّل علينا إصرًا} إفادةٌ للتكثير.
قال المفسرون (¬1): إن الله تعالى فرض عليهم خمسين صلاة في اليوم والليلة، وأمرهم بأداء ربع أموالهم في الزكاة، ومن أصاب ثوبه نجاسة .. أمر بقطعها، وكانوا إذا نسوا شيئًا .. عجلت لهم العقوبة في الدنيا، وكانوا إذا أتوا بخطيئة .. حرم عليهم من الطعام بعض ما كان حلالًا لهم، ومن أصاب ذنبًا .. أصبح وذنبه مكتوب على بابه، ونحو ذلك من الأثقال والآصار التي كتبت عليهم، فسأل المسلمون ربهم أن يصونهم عن أمثال هذه التغليظات والعهود الثقيلة، وقد أجاب الله دعائهم برحمته، وخفف عنهم بفضله وكرمه، فقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.
{وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ}؛ أي: قوة {لَنَا به} من البلاء والعقوبة النازلة بمن قبلنا أو من التكاليف التي لا تفي بها الطاقة البشرية، وهذا أعم من الإصر السابق؛ لتخصيصه بالتشبيه وعموم هذا، والتشديد في {وَلَا تُحَمِّلْنَا}: للتعدية. {وَاعْفُ عَنَّا}؛ أي: أمح آثار ذنوبنا {وَاغْفِرْ لَنَا}؛ أي: واستر عيوبنا، ولا تفضحنا بالمؤاخذة بين رؤوس الأشهاد {وَارْحَمْنَا}؛ أي: تعطف بنا وتفضل علينا {أَنْتَ مَوْلَانَا}؛ أي؛ ناصرنا وحافظنا وولينا ومتولي أمورنا، ونحن عبيدك. ويقال: واعف عنا من المسخ كما مسخت قوم عيسى، واغفر لنا من الخسف كما خسفت بقارون، وارحمنا من القذف كما قذفت قوم لوط، فلما دَعَوا بهذا الدعاء رفع الله عنهم ذنوب حديث النفس والنسيان والخطأ والاستكراه، وعفا عنهم من
¬__________
(¬1) مراح خازن.

الصفحة 151