كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 4)

سبحانه وتعالى، فهو كقولك: لا كريم إلا زيدٌ، فإنه أبلغ من قولك: زيدٌ كريمٌ.
{الْحَيُّ}؛ أي: الباقي على الأبد، الدائم بلا زوال، الذي لا سبيل إليه للموت والفناء، والحيُّ في صفة الله تعالى: هو الذي لم يزل موجودًا، وبالحياة موصوفًا، لم تحدثْ له الحياة بعد موتٍ، ولا يعتريه الموت بعد حياة، وسائر الأحياء سواه يعتريهم الموت والعدم، فكل شيءٍ هالكٌ إلا وجهَهُ سبحانه وتعالى.
{الْقَيُّومُ}؛ أي: القائم (¬1) على كُلِّ نفسٍ بما كسبت. وقيل: القائم بذاته، المقيم لغيره. وقال مجاهد (¬2): القيوم: القائم على كلِّ شيءٍ؛ أي: القائم بتدبير خلقه في إيجادهم، وإرزاقهم، وجميع ما يحتاجون إليه. وقيل: هو القائم الدائم بلا زوال، الموجود الذي يمتنع عليه التغيير.
وقرأ الجمهور (¬3): {الْقَيُّومُ} على وزن فيعول، وقرأ ابن مسعود وابن عمر وعلقمة والنَّخَعِيُّ والأعمش شذوذًا {القَيَّام} بالألف، ورُوي ذلك عن عمر، وقرأ علقمة شذوذًا أيضًا {القَيِّمِ} كما تقول: دَيِّرْ ودَيَّار، ولا خلافَ بين أهل اللغة: أن القَيُّوم أعرف عند العرب، وأصحُّ بناءً، وأثبت عِلَّةً. وقال أمية:
لَمْ تُخْلَقِ السَّمَاءُ وَالنُّجُومُ ... وَالشَّمْسُ مَعْهَا قَمَرٌ يَعُومُ
قَدَّرَهَا الْمُهَيْمِنُ الْقَيُّوْمُ ... وَالْحَشْرُ وَالْجَنَّةُ وَالنَّعِيمُ
إِلَّا لَأمْرٍ شَأْنُهُ عَظِيْمُ
{لَا تَأْخُذُهُ}؛ أي: لا تعتريه. {سِنَةٌ}؛ أي: نعاسٌ. {وَلَا نَوْمٌ} ثقيلٌ فيشغلَه عن تدبير خلقه وأمره؛ أَيْ: لا يأخذه نعاسٌ فضلًا عن أن يأخذه نوم؛ لأن النوم والسهو والغفلة محالٌ على الله تعالى؛ لأن هذه الأشياء عبارة عن عدم العلم، وذلك نقص وآفة، والله تعالى منزَّهٌ عن النقص والآفات، وأن ذلك تَغَيُّر، والله تعالى مُنَزَّهٌ عن التغيُّر.
¬__________
(¬1) الشوكاني.
(¬2) الخازن.
(¬3) البحر المحيط مع الشوكاني.

الصفحة 19