كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 4)

في الآخر، والأصل (¬1): فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله، وفئة أخرى كافرة تقاتل في سبيل الشيطان، فحذف من الأولى ما أثبت مقابله في الثانية، ومن الثانية ما أثبت نظيره في الأولى، فذكر في الأولى لازم الإيمان وهو: القتال في سبيل الله، وذكر في الثانية ملزوم القتال في سبيل الشيطان: وهو الكفر.
{يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ}: فيه من المحسنات البديعية: التجنيس المغاير والاحتراس في {رَأْيَ الْعَيْنِ} قالوا: لئلا يعتقد أنه من رؤية القلب، فهو من باب الحزر وغلبة الظن ومن ضروب البلاغة: الإبهام في قوله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ}، وفي إيقاع التزيين على حب مسامحة، لأجل المبالغة. والمزين حقيقة: هو المشتهيات، قال الزمخشري: عبَّر بالشهوات مبالغة، كأنها نفس الشهوات وتبنيها على خستها؛ لأن الشهوة رذيلة عند الحكماء وفي قوله: {وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ}، من المحسنات: التجنيس المماثل.
{بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ} إبهام الخير لتفخيم شأنه والتشويق لمعرفته {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ} قال أبو السعود: التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المتقين لإظهار مزيد اللطف بهم. {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ}: التنكير فيه للتفخيم. {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ} إدخال الواو في مثل هذه الصفات للتفخيم؛ لأنه يؤذن بأن كل صفة مستقلة يمدح الموصوف بها، وللدلالة على كماله في كل واحدة منها.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
¬__________
(¬1) البحر المحيط.

الصفحة 222