كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 4)

سفيان بن حسين شذوذًا {أوَ كالذي} بفتح الواو، وهي حرف عطف دخل عليها ألف التَّقْرِيرِ، والكاف بمعنى إلى فهو معطوف على قوله: {إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ}؛ أي: أَلَمْ ينتهِ علمك يا محمَّد إلى قصة الذي حاج إبراهيم، وإلى قصة الذي مرَّ وجاوز على قرية وهو عزير بن شرخيا؟ والقرية: هي بيت المقدس حين خربه بُخْتُنَصَّرُ، أو القريةُ التي أَهْلَكَ اللهُ فيها الذين خَرجُوا مِنْ دِيارَهِم حذَرَ الموتِ، أَيْ: هل انْتَهى إليك يا محمَّد خَبرُهُ وقصتُه كيف هداه الله وأخرجه من ظلمةِ الاشتباهِ إلى نور العيان؟.
ومقصود القصة (¬1): تعريف منكري البعث قدرة الله تعالى على إحياء خلقه بعد إماتتهم، لا تعريف اسم ذلك المار في هذه القصةِ دلالة عظيمة بنبوة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه أخبر اليهود بما يجدونه في كتبهم ويعرفونه، وهو أميٌّ لم يقرأ الكتب القديمة.
{وَهِيَ}؛ أي: والحال أن تلك القرية {خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}؛ أي: خالية ساقطة جدرانها على سقوفها؛ وذلك أن السقوف سقطت أولًا، ثم وقعت الحيطان عليها بعد ذلك. {قَالَ} ذلك المار {أَنَّى يُحْيِي}؛ أي: كيف يحيي {هَذِهِ} القرية الخاوية {اللهُ} سبحانه وتعالى {بَعْدَ مَوْتِهَا}؛ أي: قال كيف يحي الله سبحانه وتعالى أهل هذه القرية بعد موتهم!! تعجبًا من قدرة الله تعالى على إحيائها، واستعظامًا لقدرته، واعترافًا بالقصور عن معرفة طريق الإحياء؛ وذلك (¬2) لِمَا رأى من دثورها، وشدة خرابها، وبُعدها عن العود إلى ما كانت عليه. {فأماته الله} مكانه فالبثه ميتًا {مائة عامٍ} وعمرت القرية بعد مضى سبعين سنة من موته وتكامل ساكنوها وتراجع بنوا إسرائيل إليها {ثُمَّ بَعَثَهُ}؛ أي: أحياه في آخر النهار، فلما (¬3) بعثه الله عَزَّ وَجَلَّ بعد موته، كان أول شيء أحيا الله فيه: عينيه؛ لينظر بهما إلى صنع الله فيه كيف يحي بدنه، فلما استقل سويًّا {قَالَ} الله تعالى له بواسطة المَلَك: يا عزير {كَمْ لَبِثْتَ} أي: مكثت هنا بعد الموت؛
¬__________
(¬1) الخازن.
(¬2) ابن كثير.
(¬3) ابن كثير.

الصفحة 39