كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 4)

والجلدَ، وأحياه وهو ينظر.
فعلنا ذلك - الإحياء - لتُعاين ما ابتعدته من الإحياء بعد دهر طويل {وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ}؛ أي: ولكي نجعلك علامة للناس في إحياء الموتى، وأنهم يحيون على ما يموتون لأنه مات شابًّا، وبعث شابًّا، وعبرة للناس؛ لأنه كان ابن أربعين سنة حين أماته الله، وابنُه ابنُ مئة وعشرين سنة حين بعثه الله. وقيل: إنه أتى قومه راكبًا حماره وقال: أنا عزير. فكذبوه، فقال: هاتوا التوراة، فأخذ يقرؤها عن ظهر قلبه، ولم يحفظها أحد قبله، وقيل: رجع إلى منزله فرأى أولاده شيوخًا وهو شاب.
{وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ}؛ أي: عظام الحمار، أو الأموات الذين تعجب من إحيائهم {كَيْفَ نُنشِزُهَا} قرأ الكوفيون وابن عامر بالزاي المنقوطة؛ أي: كيف نرفع بعضها على بعض، ونركبه عليه، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب {ننشرها} بالراء المهملة؛ أي: كيف نحييها ونخلقها؟ مِنْ أنشر الله الموتى إذا أحياهم. وروى أبان عن عاصم {نَنْشُرُها} بفتح النون الأولى وسكون الثانية وضم الشين والراء، من نشَرَ بمعنى: أَحْيَا وهي قراءة شاذة، وقرأ أُبي شذوذًا: {كيف ننشيها} بالياء؛ أي: نخلقها، وقال بعضهم: العظام لا تحيى على الانفراد حتى ينضم بعضها إلى بعض، فالزاي أولى بهذا المعنى؛ إذ هو بمعنى الانضمام دون الإحياء. {ثُمَّ نَكْسُوهَا}؛ أي: العظام {لَحْمًا}؛ أي: ننبت عليها العصب والعروق واللحم والجلد والشعر، ونجعل فيه الروح بعد ذلك. والمعنى: ثم نستر العظام باللحم كما يستر الجلد باللباس.
وفي الآية (¬1): تقديم وتأخير، تقديره: وانظر إلى حمارك، وانظر إلى العظام كيف ننشزها، ولنجعلك آية للناس {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ}؛ أي: فلما اتضح له عيانًا ما كان استغربه أولًا من إحياء القرية، ورآه عيانًا في نفسه {قَالَ} عُزيرٌ {أَعْلَمُ} علم (¬2) مشاهدة بعد العلم اليقيني الحاصل بالفطرة والأدلة العقلية {أَنَّ اللَّهَ عَلَى
¬__________
(¬1) الخازن.
(¬2) الجمل.

الصفحة 41