كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 4)

ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشترون الطعام الرخيص، ويتصدَّقون به، فأنزل الله هذه الآية.
التفسير وأوجه القراءة

261 - {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ}؛ أي: صفة صدقات الذين يصرفون أموالهم في طاعة الله، ووجوه الخير من الواجب أو النفل كصفة حبة أخرجت ساقًا واحدًا، تشعَّب منه سبع شعب، في كل واحدة منها سنبلة {فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} فجملة ما فيها من الحبوب سبع مئة، وذلك مشاهد في الذرة والدخن، بل فيهما أكثر من ذلك. هذا إن قلنا: إن في الكلام حذفًا من أوله، ويحتمل كون الحذف في آخره، والمعنى حينئذٍ: مثل الذين ينفقون أموالهم في وجوه الخيرات، كمثل زارع حبة أخرجت ساقًا تشعب منه سبع شعب، في كل واحدة منها سنبلة، في كل سنبلة مئة حبة.
فإن قلتَ: هل (¬1) رأيت سنبلة فيها مئة حبة حتى يضرب المثل بها؟ قلتُ: ذلك غير مستحيل، وما لا يكون مستحيلًا .. فضرب المثل به جائز وإنْ لم يوجد. والمعنى {فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} أن جعل الله ذلك فيها. وقيل: هو موجود في الدخن. وقيل: إن المقصود من الآية: أنه إذا علم الإنسان الطالب للزيادة والربح أنه إذا بذر حبة واحدة أخرجت له سبع مئة حبة .. ما كان ينبغي له ترك ذلك، ولا التقصير فيه، فكذلك ينبغي لمن طلب الأجر عند الله في الآخرة، أن لا يترك الإنفاق في سبيل الله إذا علم أنه يحصل له بالواحد عشرة ومئة وسبع مئة؛ أي: فكذلك نفقات هؤلاء تضاعف إلى سبع مئة. {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ} أكثر من ذلك؛ أي: أكثر من سبع مئة. {لِمَنْ يَشَاءُ} لا لكل الناس بل على حسب حال المنفِقِ من الخصاصة وتعبه؛ ولذلك تفاوتت مراتب الأعمال في مقادير الثواب؛ أي: فالزيادة (¬2) على السبع مئة لبعض الناس، بخلاف السبع مئة؛ فإنها لكل
¬__________
(¬1) الخازن.
(¬2) الجمل.

الصفحة 58