كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 4)

منفِق. وقيل المراد: والله يضاعف تلك المضاعفة لمن يشاء؛ أي: لبعض الناس، لا لكلهم. فالسبع مئة غير مطردة على هذا، بل المطرد التضعيف إلى عشرة فقط.

{وَاللَّهُ وَاسِعٌ} فضله، لا يضيق عليه ما يتفضل به من التضعيف {عَلِيمٌ} بنية المنفِق، وبمن يستحق المضاعفة، وبما يستحقه المنفق من الجزاء والثواب عليه.

262 - {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ} وهذا تقييد (¬1) لما قبله؛ أي: إن المضاعفة المذكورة مشروطة بعدم المن والأذى. والمعنى: الذين يصرفون أموالهم {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}؛ أي: في وجوه الخيرات واجبة كانت، أم لا. {ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا}؛ أي: لا يعقبون ما أنفقوا {مَنًّا} على المنفَق عليه، وتحدثًا بما أعطى له. والمن: أن يعدد إحسانه على من أحسن إليه؛ كأن يقول له: أعطيتك كذا وكذا، فيعدد نعمه عليه، فيكدرها عليه، وهو من الكبائر، كما ثبت في "صحيح" مسلم وغيره: أن المانّ أحد الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم. وقدم المن على الأذى؛ لكثرة وقوعه، ووَسَّط كلمة {لَا} بينهما في قوله: {وَلَا أَذًى}؛ للدلالة على شمول النفي باتباع كل واحد منهما؛ أي: ولا يتبعون نفقاتهم أذىً للمنفَق عليه. والأذى: هو أن يعيِّره، فيقول: كم تسأل، وأنت فقير أبدًا، ولا تكتسب، وقد بليت بك، وأراحني الله منك، وأمثال ذلك، كالعبوس في وجهه.
إذا عرفت هذا فنقول: المن: هو إظهار المعروف إلى الناس، والمن عليهم به. والأذى: هو أن يشكو منهم بسبب ما أعطاهم، فحرم الله تعالى على عباده المن بالمعروف، والأذى فيه، وذم فاعله.
وقال عبد الرحمن بن يزيد: كان أبي يقول: إذا أعطيت رجلًا شيئًا، ورأيت أن سَلَامك يثقل عليه .. فلا تسلم عليه. والعرب تمدح بترك المن، وكتم النعمة، وتذم على إظهارها، والمن بها. قال قائلهم في المدح بترك المن:
زَادَ مَعْرُوْفَكَ عِنْدِي عِظَمًا ... أَنَّهُ عِنْدَكَ مَسْتُوْرٌ حَقِيْر
¬__________
(¬1) الجمل.

الصفحة 59