كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 4)

تَتَنَاسَاهُ كَأنْ لَمْ تَأْتِهِ ... وَهُوَ فِي الْعَالَمِ مَشهُوْرٌ كَبِيْر
وقال قائلهم يذم المنان بالعطاء:
أتَيْتَ قَلِيلًا ثُمَّ أَسْرَعْتَ مِنَةً ... فَنَيْلُكَ مَمْنُونٌ لِذَلِكَ قَلِيْلُ
وقيل المراد بالمن: هو المن على الله، وهو العُجب والأذى لصاحب النفقة. {لَهُمْ أَجْرُهُمْ}؛ أي: ثواب إنفاقهم مدخرًا لهم {عِنْدَ رَبِّهِمْ} في الآخرة {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} يوم القيامة؛ أي: فلا يخافون فَقْد أجورهم، ولا يخافون العذاب البتة {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} على ما خلفوا خلفهم من الدنيا.

263 - {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ}؛ أي: كلام جميل يرد به السائل، من غير إعطاء شيء {وَمَغْفِرَةٌ} من المسؤول عن بذاءَة لسان الفقير {خَيْرٌ} للسائل {مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا}؛ أي: يعقبها {أَذًى}؛ أي: مَنٌّ وتعيير للسائل بالسؤال؛ لكونها مشوبة بضرر التعيير له؛ أي: هذا القول المعروف من المسؤول، والرد الجميل، والمسامحة عن بذاءة لسان السائل خيرٌ للسائل من صدقة يأخذها، ويعقبها المن والتعيير من المسؤول له. وقال الشوكاني (¬1): والمعنى: أن القول المعروف من المسؤول للسائل، وهو: التأنيس والترجية بما عند الله، والرد الجميل خير من الصدقة التي يتبعها أذى. وقد ثبت في "صحيح مسلم" عنه صلّى الله عليه وآله وسلم: الكلمة الطيبة صدقة، وأن "مِنَ المعروف: أن تلقى أخاك بوجه طلق".
وما أحسن ما قاله ابن دريد:
لاَ تُدْخِلَنَّكَ ضَجْرَةٌ مِنْ سَائِلٍ ... فَلِخَيْرِ دَهْرِكَ أَنْ تُرَى مَسْؤُولاَ
لاَ تَجْبَهَن بِالرَّدِّ وَجْهَ مَؤَمِّلٍ ... فَبَقَاءُ عِزِّكَ أَنْ تُرَى مَأْمُولاَ
والمراد بالمغفرة: الستر للخلة وسوء حالة المحتاج، والعفو عن السائل إذا صدر منه من الإلحاح ما يكدِّر صدر المسؤول. انتهى.

264 - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بما جاء به محمَّد صَلى الله عليه وآله وسلم {لَا
¬__________
(¬1) فتح القدير.

الصفحة 60