كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 4)

قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ...} قال (¬1) ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عنه: نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، كانت عنده أربعة دراهم لا يملك غيرها، فتصدق بدرهم ليلًا وبدرهم نهارًا وبدرهم سرًّا وبدرهم علانية.
وفي رواية عنه قال: لمّا نزل: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} بعث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بدنانير كثيرة إلى أهل الصفة، وبعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الليل بوَسَق من تمر، فأنزل الله فيهما: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} يعني بنفقة الليل نفقة علي، وبالنهار نفقة عبد الرحمن.
التفسير وأوجه القراءة

270 - {وَمَا أَنْفَقْتُمْ} أي: أديتم وبذلتم أيها المؤمنون {مِنْ نَفَقَةٍ}؛ أي: نفقة كانت في حق أو باطل، سرًّا أو علانية، قليلة كانت أو كثيرة. {أَوْ} ما {نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ}؛ أي: نذر كان في طاعة أو معصية، بشرط أو بغير شرط، متعلقًا بالمال أو بالأفعال؛ كالصيام والحج فوفيتم به. والنذر: أن يوجب الإنسان على نفسه شيئًا ليس بواجب بأصل شرعي {فَإِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى: {يَعْلَمُهُ}؛ أي: يعلم ما أنفقتم أو نذرتم، فيجازيكم عليه، وإنما قال (¬2): {يَعْلَمُهُ} ولم يقل: يعلمهما؛ لأنه ردَّ الضمير على الآخر منهما، فهو كقوله: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا}. وقيل: إن الضمير عائد على ما في قوله: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ}؛ لأنها اسم، فهو كقوله: {وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} ولم يقل: بهما. وقيل: إنما أفرد الضمير؛ لكون العطف بأو، وإذا كان العطف بأو .. كان الضمير مفردًا؛ لأن المحكوم عليه هو أحدهما. {وَمَا لِلظَّالِمِينَ}؛ أي للواضعين للنفقات أو النذور في غير موضعها بالإنفاق، والنذر
¬__________
(¬1) الخازن.
(¬2) الخازن.

الصفحة 84