كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 4)

على ذلك، وأما الزكاة: فإظهار إخراجها أفضل من كتمانها؛ كالصلاة المكتوبة في الجماعة أفضل، وصلاة التطوع في البيت أفضل، ولكن في إظهار الزكاة نفي التهمة عن المزكي. وقيل: إن الآية واردة في زكاة الفرض وكان إخفاؤها خيرًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنهم كانوا لا يظنون بأحد أنه يمنع الزكاة، فأما اليوم في زماننا: فإظهار الزكاة أفضل حتى لا يساء الظن به. {وَيُكَفِّرُ} الله، أو يكفِّر الإخفاءُ {عَنْكُمْ} أيها المؤمنون، ويستر شيئًا {مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} وذنوبكم يعني: من الصغائر؛ لأن الكبائر لا تكفر إلا بالتوبة، أو بمحض فضل الله تعالى.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وشعبة ويعقوب وعاصم في رواية أبي بكر (¬1): {نكفر} بالنون ورفع الراء. وقرأ نافع وحمزة والكسائي والأعمش وأبو جعفر وخلف: {ونكفرْ}: بالنون والجزم؛ أي: ونكفرْ عنكم شيئًا من ذنوبكم بقدر صدقاتكم. وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية حفص: {ويكفرُ} بالياء والرفع، والمعنى: يكفر الله، أو يكفر الإخفاء. وقرىء قراءة شاذة: بالتاء الفوقية، وبالرفع والجزم، والفاعل راجع للصدقات. وقرأ ابن عباس شذوذًا {تُكفَر}: بالتاء الفوقية وفتح الفاء والجزم. وقرأ الحسين بن علي الجعفي شذوذًا أيضًا {نكفَر}: بالنون ونصب الراء.
وقال أبو حيان (¬2): قرأ الجمهور بالواو في: {وَيُكَفِّرُ} وقرأ غيرهم بإسقاطها، وبالياء، والتاء، والنون، وبكسر الفاء، وفتحها، وبرفع الراء، وجزمها، ونصبها. فإسقاط الواو رواه أبو حاتم عن الأعمش شذوذًا، ونقل عنه أنه قرأ بالياء، وجَزمَ الراء وهو شاذ أيضًا. ووجهه: أنه بدل على الموضع من قوله: {فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}؛ لأنه في موضع جزم، وكأن المعنى يكن لكم إخفاء خيرًا من الإبداء، أو على إضمار حرف العطف؛ أي: ويكفر. انتهى. ومن قرأ بالنصب .. فعلى تقدير: أن. قال سيبويه: والرفع ها هنا هو الوجه الجيد. {وَاللَّهُ}
¬__________
(¬1) الشوكاني ومراح.
(¬2) البحر المحيط.

الصفحة 87