كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 8)

اللحم .. انتشرت للنساء، وأخذتني شهوتي، فحرمت عليَّ اللحم، فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} الآية.
وأخرج ابن جرير (¬1)، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} قال: نزلت هذه الآية في رهط من الصحابة، قالوا: نقطع مذاكيرنا، ونترك شهوات الدنيا، ونسيح في الأرض كما تفعل الرهبان، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل إليهم، فذكر لهم ذلك، فقالوا: نعم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لكنى أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأنكح النساء، فمن أخذ بسنتي فهو مني، ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني".
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ عن عكرمة: أن عثمان بن مظعون، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، والمقداد بن الأسود، وسالمًا مولى أبي حذيفة، وقدامة تبتلوا، فجلسوا في البيوت، واعتزلوا النساء، ولبسوا المسوح (¬2)، وحرموا طيبات الطعام واللباس إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل، وهمُّوا بالاختصاء، وأجمعوا على القيام بالليل، وصيام النهار فنزلت الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} الآية. فلما نزلت .. بعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "إن لأنفسكم حقًّا، وإن لأعينكم حقًّا، وإن لأهلكم حقًّا، فصلوا وناموا، وصوموا وأفطروا، فليس منا من ترك سنتنا"، فقالوا: اللهم صدقنا واتبعنا ما أنزلت مع الرسول.
وروى ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم: أن عبد الله بن رواحة أضافه ضيف من أهله، وهو عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم رجع إلى أهله، فوجدهم لم يطعموا ضيفه انتظارًا، فقال لامرأته: حبست ضيفي من أجلي؟ هو حرام علي، فقالت امرأته: هو عليَّ حرام، فقال الضيف: هو عليَّ حرام، فلما رأى ذلك .. وضع يده وقال: كلوا بسم الله، ثم ذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر الذي كان منهم، ثم أنزل
¬__________
(¬1) المراغي.
(¬2) المسوح - جمع مسح بكسر فسكون -: هو كساء من شعر يلبسه الرهبان.

الصفحة 10