كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 8)

تاسعها: السؤال عما حصل بين السلف، وقد قال عمر بن عبد العزيز: تلك دماء كف الله عنها يدي، فلا ألطخ بها لساني.
عاشرها: سؤال التعنت والإفحام وطلب الغلبة في الخصام، ففي الحديث: "أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم".
وقرأ الجمهور (¬1): {إِنْ تُبْدَ لَكُمْ} بالتاء مبنيًّا للمفعول. وقرأ ابن عباس ومجاهد مبنيًّا للفاعل. وقرأ الشعبي بالياء مفتوحة من أسفل، وضم الدال {يسؤكم} بالياء فيهما مضمومة في الأول، ومفتوحة في الثاني. وقال ابن عطية: إن يبدها الله تعالى.
وقوله: {عَفَا اللَّهُ عَنْهَا}؛ إما جملة مستأنفة مسوقة لبيان أن نهيهم عنها لم يكن لمجرد صيانتهم عن المسألة، بل لأنها معصية في نفسها، مستتبعة للمؤاخذة؛ لأنها تغضب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والضمير في قوله: {عَنْهَا} راجع للمسائل، والمعنى: عما الله عن مسائلكم التي كانت قبل النهي التي لا ضرورة إليها، وتجاوز عن عقوبتكم عليها في الآخرة لسعة رحمته ومغفرته وعظيم حلمه، فلا تعودوا إليها، فتكون هذه الجملة كقوله في الآية الأخرى: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ}، وقوله: {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ}، أو تكون في محل الجر صفة ثالثة لـ {أَشْيَاءَ}، والضمير في {عَنْهَا} على هذا يعود على {أَشْيَاءَ}، والمعنى: لا تسألوا عن أشياء قد عفا الله عنها؛ أي: تركها ولم يذكرها في كتابه بشيء من التكليف؛ فاسكتوا عنها كما سكت الله عنها، ولا تبحثوا عنها، ومما (¬2) يؤيد هذا المعنى حديث أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وحرَّم أشياء فلا تقربوها، وترك أشياء من غير نسيان، فلا تبحثوا عنها"، وحديث سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أشياء فقال: "الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما قد عفا عنه، فلا تتكلفوا". هذان
¬__________
(¬1) البحر المحيط.
(¬2) المراغي.

الصفحة 107