كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 8)

تجعل قطعة من الطين والتراب المندّى مثل هيئة الطير وصورتها في شكلها، ومقادير أعضائها بإذني وأمري وتيسيري لك {فَتَنْفُخُ فِيهَا}؛ أي: في تلك القطعة المصورة من ريح فمك، فتكون تلك القطعة المصورة {طَيْرًا}؛ أي: حيوانًا طائرًا مثل الخفاش {بِإِذْنِي}؛ أي: بتكويني وتخليقي. وإنما قال (¬1) هنا: {فِيهَا}، وفي سورة آل عمران: {فيه}؛ لأن الضمير في قوله: {فِيهَا} يعود إلى الهيئة المصورة بجعلها مصدرًا بمعنى اسم المفعول؛ كالخلق؛ وذلك لأن النفخ لا يكون في الهيئة، إنما يكون في المهيأ ذي الهيئة، ويجوز أن يعود الضمير إلى الطير؛ لأنها مؤنثة قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّات} وأما الضمير المذكور في آل عمران في قوله: {فيه}، فيعود إلى الكاف يعني: في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير، وإنما كرر قوله: {بِإِذْنِي}؛ تأكيدًا لكون ذلك الخلق واقعًا بقدرة الله تعالى وتخليقه، لا بقدرة عيسى عليه السلام وتخليقه؛ لأن المخلوق لا يخلق شيئًا، إنما خالق الأشياء كلها هو الله تعالى لا خالق لها سواه، وإنما كان الخلق لهذا الطير معجزة لعيسى عليه السلام أكرمه الله تعالى بها.
وقرأ ابن عباس (¬2): {فتنفخها فتكون}، وقرأ الجمهور: {فَتكُونُ} بالتاء من فوق، وقرأ عيسى ابن عمر: {فيها فيكون} بالياء من تحت. وقرأ (¬3) نافع ويعقوب: {طائرًا}، ويحتمل الإفراد والجمع كالباقر.
{و} اذكر نعمتي عليك إذ {تُبْرِئُ} وتشفي {الْأَكْمَهَ}، أي: الأعمى المطموس البصر الذي ولد كذلك {و} تبرىء {الْأَبْرَصَ}؛ أي: صاحب البرص، وهو داء معروف يبيض منه الجلد. {بِإِذْنِي} لك، وتسهيله عليك، وتيسيره لك {وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى} من قبورهم أحياء {بِإِذْنِي}؛ أي: بفعلي ذلك عند دعائك وقولك للميت: أخرج بإذن الله من قبرك، فيكون ذلك آية لك عظيمة.
وتكرير {بِإِذْنِي} في المواضع الأربعة؛ للاعتناء بأن ذلك كله من جهة الله،
¬__________
(¬1) الخازن.
(¬2) البحر المحيط.
(¬3) البيضاوي.

الصفحة 142