كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 8)

ليس لعيسى عليه السلام فيه فعل إلا مجرد امتثاله لأمر الله سبحانه كما مرَّ. وإنما قال في آل عمران (¬1): {بِإِذْنِ اللَّهِ} مرتين، وقال هنا: {بِإِذْنِي} أربع مرات عقيب أربع جمل؛ لأن ما هنا موضع ذكر النعمة والامتنان بها، فناسب الإسهاب والإطناب، وما هناك موضع إخبار لبني إسرائيل، فناسب الإيجاز.
وقوله: {وَإِذْ كَفَفْتُ} معطوف على {وَإِذْ تُخْرِجُ}؛ أي: واذكر نعمتي عليك حين كففت ودفعت وصرفت {بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ}؛ أي: اليهود حين أرادوا قتلك، فلم يتمكنوا منه، وقوله: {إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} ظرف لـ {كَفَفْتُ}؛ أي: إذ جئتهم بالمعجزات الواضحات الدالة على صدقك؛ أي: بما ذكر هنا، وما لم يذكر؛ كالإخبار بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، وغير ذلك من معجزاته، فـ (ال) فيه للجنس، وذلك أن عيسى عليه السلام لما أتى بهذه المعجزات العجيبة الباهرة .. قصد اليهود قتله، فخلصه منهم ورفعه إلى السماء. {فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ أي: فقال الذين استمروا على كفرهم من اليهود، ولم يؤمنوا بهذه المعجزات: {إِنْ هَذَا}؛ أي: ما هذا الذي جاء به عيسى من المعجزات {إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}؛ أي: بين واضح.
وقرأ حمزة والكسائي هنا، وفي هود، والصف، ويونس (¬2): {ساحر} بالألف، والإشارة حينئذ إلى عيسى؛ أي: ما هذا الرجل وهو عيسى عليه السلام إلا ساحر ظاهر.
وقرأ ابن عامر وعاصم في يونس فقط بالألف. وقرأ باقي السبعة: {سِحْر} بكسر السين وسكون الحاء؛ أي: ما هذا الذي جاء به عيسى من الخوارق إلا سحر مبين، أو ما هذا؛ أي: عيسى إلا سحر مبين، وهذا على سبيل المبالغة؛ أو على حذف مضاف.
والخلاصة (¬3): أنهم لا يعتدون بما جاء على يديه من الآيات وخوارق
¬__________
(¬1) البحر المحيط.
(¬2) المراح والبحر المحيط.
(¬3) المراغي.

الصفحة 143