كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 8)

الظاهر، وتبعه أبو البقاء، فإنه قال: يجوز أن تكون على الألف من عيسى فتحة؛ لأنه قد وصف بابن، وهو بين علمين، وأن تكون فيها ضمة، وهو مثل قولك: يا زيد بن عمرو، بفتح الدال وضمها، وهذا الذي قاله غير بعيد. اهـ "سمين".
{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ} الوحي في اللغة: الإشارة السريعة الخفية، والإعلام بالشيء بسرعة وخفاء، والمراد به (¬1) هنا: ما يلقيه الله في نفوس الأحياء من الإلهام، كما في قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا}، وقوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى}، وهكذا ألقى الله في قلوب الحواريين الإيمان به وبرسوله عيسى عليه السلام.
{مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} المائدة (¬2): الخوان عليه طعام، فإن لم يكن عليه طعام .. فليس بمائدة، هذا هو المشهور، إلا أن الراكب قال: المائدة: الطبق الذي عليه الطعام، وتقال أيضًا للطعام، إلا أن هذا مخالف لما عليه المعظم، وهذه المسألة لها نظائر في اللغة، لا يقال للخوان مائدة إلا وعليه الطعام، وإلا فهو خوان، ولا يقال: جراب إلا وهو مدبوغ، وإلا فهو إهاب، ولا يقال: قلم إلا وهو مبري، وإلا فهو أنبوب.
واختلف اللغويون في اشتقاقها، فقال الزجاج: هو من ماد يميد - من باب باع - إذا تحرك، ومنه قوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}، ومنه: ميد البحر، وهو ما يصيب راكبه، فكأنها تميد بما عليها من طعام، قال: وهي فاعلة على الأصل.
وقال أبو عبيد: هي فاعلة بمعنى مفعولة، مشتقة من ماده بمعنى: أعطاه، وامتاده بمعنى: استعطاه، فهي بمعنى: مفعولة كعيشة راضية، وأصلها أنها ميد بها صاحبها؛ أي: أعطيها. والعرب تقول: مادني فلان يميدني: أحسن إلي وأعطاني، وقال أبو بكر الأنباري: سميت مائدة؛ لأنها غياث وعطاء، من قول العرب: ماد فلان فلانًا إذا أحسن إليه اهـ "سمين".
¬__________
(¬1) المراغي.
(¬2) الفتوحات.

الصفحة 160