كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 8)

ثُمَّ جَزَاكَ اللهُ عَنِّي إِذْ جَزَى ... جَنَّاتِ عَدْنٍ في السَّمَوَاتِ الْعُلَى
و {قال} بمعنى: يقول؛ لأن هذا القول إنما يكون في يوم القيامة، وإنما عبر بالماضي لما مر من الدلالة على التحقيق والوقوع، والظرف متعلق بمحذوف تقديره: واذكر يا محمد لأمتك قصة إذ يقول الله يوم القيامة لعيسى ابن مريم - توبيخًا للكفرة وتبكيتًا لهم بإقراره عليه السلام بالعبودية على رؤوس الأشهاد، وأمره لهم بعبادة الله عز وجل -: {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ}؛ أي: هل قلت للناس في الدنيا. {اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ}، والله ثالثهما؛ أي: اجعلوني وأمي مريم معبودين لكم {مِنْ دُونِ اللَّهِ} سبحانه وتعالى؛ أي: متجاوزين عبادة الله تعالى، وتاركين عبادته، والاستفهام فيه للإنكار والتوبيخ لمن ادعى ذلك على عيسى عليه السلام من النصارى؛ لأن عيسى عليه السلام لم يقل هذه المقالة.
فإن قلتَ (¬1): إذا كان عيسى عليه السلام لم يقلها، فما وجه هذا السؤال مع علم الله بأنه لم يقله؟
قلتُ: وجه هذا السؤال: إثبات الحجة على قومه، وإكذاب لهم في ادعائهم ذلك عليه، وأنه أمرهم به، فهو كما يقول القائل لآخر: أفعلت كذا، وهو يعلم أنه لم يفعله، وإنما أراد تعظيم ذلك الفعل، فنفى عيسى عليه السلام عن نفسه هذه المقالة، وقال: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}، فاعترف بالعبودية، وأنه ليس بإله كما زعمت وادعت النصارى فيه.
فإن قلتَ: إن النصارى لم يقولوا بإلهيَّة مريم، فكيف يقول اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟
قلت: إن النصارى لما ادعت في عيسى عليه السلام أنه إله، ورأوا أن مريم ولدته .. لزمهم بهذه المقالة على سبيل التبعية.
ومعنى قوله (¬2): {مِنْ دُونِ اللَّهِ}؛ أي: متجاوزين بذلك توحيد الله وإفراده بالعبادة، وذلك يكون؛ إما باتخاذ إله أو أكثر مع الله تعالى، وهو الشرك؛ إذ
¬__________
(¬1) الخازن.
(¬2) المراغي.

الصفحة 164