كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 8)

قال (¬1) قتادة: متكلمان لا يخطئان يوم القيامة: عيسى عليه السلام؛ لأنه يقوم فيقول: ما قص الله عنه {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} الآية، فكان صادقًا في الدنيا والآخرة فينفعه صدقه، وأما المتكلم الآخر فإبليس، فإنه يقوم ويقول: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ} الآية، فصدق عدو الله فيما قال، ولم ينفعه صدقه انتهى.
وقرأ الجمهور (¬2): {هَذَا يَوْمُ} بالرفع على أن {هَذَا} مبتدأ و {يَوْمُ} خبره، والجملة محكية بـ {قال}، وهي في موضع المفعول به لـ {قال}. وقرأ نافع: {هذا يومَ} - بفتح الميم - وخرجه الكوفيون على أنه مبني خبر لـ {هذا}، وبني لإضافته إلى الجملة الفعلية، وهم لا يشترطون كون الفعل مبنيًّا في بناء الظرف المضاف إلى الجملة، فعلى قولهم تتحد القراءتان في المعنى. وعند البصريين هو معرب لا مبني، منصوب على أنه ظرف لـ {قال}. وقرأ الأعمش: {يومًا ينفع} - بالتنوين - كقوله: {واتقوا يوما لا تجزئ}. وقرأ الحسن بن عياش الشامي: {هذا يومٌ} بالرفع والتنوين. وقرأ الجمهور {صدقُهم} بالرفع فاعل ينفع وقرىء بالنصب وخرج على أنه مفعول له أي لصدقهم، ثم بين الله تعالى ذلك النفع بذكر ما لهم من الثواب على صدقهم فقال: {لَهُمْ}؛ أي: للصادقين في الآخرة على صدقهم في الدنيا {جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}؛ أي: بساتين تسيل من تحت أشجارها الأنهار الأربعة {خَالِدِينَ فِيهَا}؛ أي: حالة كونهم مقدرين الخلود والمكث الطويل في تلك الجنات {أبدًا}؛ أي: مدة لا نهاية لها ولا انقضاء، وتقدم لك الفرق بين الخلود والأبد فلا عود ولا إعادة. {رَضِيَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {عَنْهُمْ}؛ أي: عن الصادقين في الآخرة بما عملوه في الدنيا من الطاعات الخالصة، ومعنى رضا الرب سبحانه عن عبده: قبول عمله منه وإثابته عليه. {وَرَضُوا عَنْهُ}؛ أي: ورضي الصادقون عن الله سبحانه وتعالى بما جازاهم به مما لا يخطر لهم على بال، ولا تتصوره عقولهم، والرضا منه سبحانه هو أرفع درجات النعيم، وأعلى منازل الكرامة، وهذا المذكور هو غاية السعادة الأبدية؛
¬__________
(¬1) الخازن.
(¬2) البحر المحيط.

الصفحة 171