كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 8)

أنه أُدغم بعد تليين الهمزة وإبدال الياء تاء، ثم لما كثر استعماله بلفظ الأفتعال .. توهموا أصالة التاء، فبنوا منه فعل يفعل، وأهل العربية على خلافه.
{قَالَ سُبْحَانَكَ} وسبحان مصدر لسبح سبحانًا كغفر غفرانًا، ولا يكاد يستعمل إلا مضافًا منصوبًا بإضمار فعله كمعاذ الله، وتصدير الكلام به اعتذار عما نسبت النصارى إليه، والمعنى: تنزيهًا لك عن أن يكون معك إله سواك.
{مَا دُمْتُ فِيهِمْ}: دمت بوزن قلت؛ لأنه من دام يدوم، فهو أجوف واوي كقال، أصله: دوم من باب فعل المفتوح تحركت (¬1) الواو وانفتح ما قبلها فقلت ألفًا، فصار: دام كقال، فلما اتصل بتاء الضمير .. سكن آخر الفعل، فالتقى ساكنان؛ وهما الألف المنقلبة عن عين الكلمة وآخر الفعل، فحذفت الألف للتخلص من التقاء الساكنين، فصار: دمت، فجهل وزنه هل هو من باب فعل المفتوح أو المكسور أو المضموم؟ وجهل عينه هل هي واو أو ياء قبل انقلابها ألفًا؟ فروعي جانب التنبيه على العين المحذوفة، فأعطي حركة مجانسة لعينه، فصار: دمت بضم الدال، فعرف أن عينه واو من هذا الضم؛ لأنه حركة مجانسة للواو ويعرف كونه من باب فعل المفتوح من مصدره واسم فاعله؛ لأنه يقال فيه: دوام ودائم كما قال ابن مالك في لامية الأفعال:
وَانْقُلْ لِفَاءِ الثلاَثِيِّ شَكْلَ عَيْنٍ إِذَا اعـ ... ـتلَّتْ وَكَانَ بِتَا الإِضْمَارِ مُتَّصِلًا
أَوْ نُوْنِهِ وإِذَا فَتْحًا يَكُوْنُ فَعَنْـ ... ـهُ اعْتَضْ مُجَانِسَ تِلْكَ الْعَيْنِ مُنْتَقِلاَ
ويقال فيه: دام يدام كخاف يخاف، فحينئذ يقرأ بكسر الدال؛ لأنه من باب فعِل المكسور، فتكون حركته حركة نقل كخفت لا حركة مجانسة كقلت.
{فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} توفي من باب تفعل الخماسي، ويستعمل التوفي في أخذ الشيء وافيًا؛ أي: كاملًا، والموت نوع منه قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} وليس المراد هنا الموت، بل المراد الرفع إلى السماء.
{كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ} والرقيب فعيل بمعنى فاعل؛ أي: المراقب الحافظ
¬__________
(¬1) مناهل الرجال على لامية الأفعال بتصرف.

الصفحة 182