كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 8)

عليهم بقوله: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} يعني: لا يستعظمون عن الإيمان والإذعان للحق، والله سبحانه وتعالى أعلم.

87 - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بالله ورسوله {لَا تُحَرِّمُوا} على أنفسكم {طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}؛ أي: مستلذات ما أحل الله لكم من المأكل والمشارب والملابس والمناكح، ولا تمنعوا أنفسكم من التمتع بالمستلذات كمنعها من الحرام، أو لا تقولوا: حرمناها على أنفسنا مبالغة منكم في العزم على تركها تزهدًا منكم وتقشفًا {وَلَا تَعْتَدُوا}؛ أي: ولا تجاوزوا الحد في الانتفاع بالطيبات بالإسراف فيها، أو لا تجاوزا الطيبات إلى الخبائث المحرمة، والطيبات: الأشياء التي تستلذها النفوس، وتميل إليها القلوب؛ أي (¬1): لا تحرموا على أنفسكم ما أحل الله لكم من الطيبات، بأن تتركوا التمتع بها عمدًا تنسكًا وتقربًا إلى الله تعالى، ولا تعتدوا فيها وتتجاوزوا حد الاعتدال إلى الإسراف الضار بالجسد؛ بأن تزيدوا على الشبع والري، أو تجعلوا التمتع بها أكبر همكم في الحياة، أو تشغلكم عن الأمور النافعة من العلوم والأعمال المفيدة لكم، ولبني وطنكم، هذه الآية بمعنى قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}.
والخلاصة: أن الاعتداء يشمل أمرين: الاعتداء في الشيء نفسه بالإسراف فيه، والاعتداء بتجاوزه إلى غيره مما ليس من جنسه، وهو الخبائث.
وقيل المعنى (¬2): لا تعتقدوا تحريم الطيبات المباحات، فإن من اعتقد تحريم شيء أحله الله .. فقد كفر، أما ترك لذات الدنيا وشهواتها، والانقطاع إلى الله، والتفرغ لعبادته من غير إضرار بالنفس ولا تفويت حق الغير .. ففضيلة لا منع منها، بل مأمور بها.
قال ابن جرير (¬3) الطبري: لا يجوز لأحد من المسلمين تحريم شيء مما
¬__________
(¬1) المراغي.
(¬2) الفتوحات.
(¬3) الشوكاني.

الصفحة 20