كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 8)

فذهب قوم: إلى أنه لا يحل ذلك بحال، يروى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو قول طاووس، وإليه ذهب الثوري، واحتجوا على ذلك: بما روي عن الصعب بن جثامة الليثي أنه أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - حمارًا وحشيًّا - وهو بالأبواء أو بودان - فرده عليه - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأى ما في وجهه من الكراهة .. قال: "إنا لم نرده عليك إلا أنَّا حُرُم". أخرجاه في "الصحيحين".
وذهب جمهور العلماء: إلى أنه يجوز للمحرم أن يأكل لحم الصيد إذا لم يصده بنفسه، ولا صيد له، ولا دلَّ عليه بإشارته، ولا أعان عليه، وهذا قول عمر وعثمان وأبي هريرة - رضي الله عنهم -، وبه قال عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي، ويدل عليه: ما روي عن أبي قتادة الأنصاري قال: كنت جالسًا مع رجال من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في منزل في طريق مكة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمامنا، والقوم محرمون، وأنا غير محرم عام الحديبية، فأبصروا حمارًا وحشيًّا، وأنا مشغول أخصف نعلًا، فلم يؤذنوا لي، وأحبوا لو أني أبصرته، فالتفت فأبصرته، فقمت إلى الفرس فأسرجته، ثم ركبت ونسيت السوط والرمح، فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح، قالوا: لا والله، لا نعينك عليه، فغضبت ونزلت، فأخذتهما، ثم ركبت فشددت على الحمار فعقرته، ثم جئت به وقد مات، فوقعوا فيه يأكلون، ثم إنهم شكُّوا في أكلهم إياه وهم حرم، فَرُحْنَا وخبأت العضد، فأدركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألته عن ذلك فقال: "هل معكم منه شيء"؟ فقلت: نعم، فناولته العضد، فأكل منها، وهو محرم. وزاد في رواية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: "إنما هي طعمة أطعمكموها الله"، وفي رواية: "هو حلال فكلوه"، وفي رواية: قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل منكم أحدٌ أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها، قالوا: لا، قال: كلوا ما بقي من لحمها" أخرجاه في "الصحيحين". وأجاب أصحاب هذا المذهب من حديث الصعب بن جثامة: بأنه إنما ردَّه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه ظن أنه إنما صيد لأجله، والمحرم لا يأكل ما صيد لأجله، والله أعلم.

97 - {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} وسميت الكعبة كعبة لتربيعها؛ أي: لكونها مربعة من التكعيب بمعنى: التربيع، وأكثر بيوت العرب مدورة لا مربعة.

الصفحة 78