كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 9)

يفعلونه من الحسنات كما قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ} وبذلك تعود نفوسهم زكية، وتلقى ربها سليمة نقية من أدران السوء التي كانت قد وقعت منها لماما. واتفق المسلمون على أن التوبة تمحو الحوبة؛ أي: أن التوبة الصحيحة بالعزم الصادق والندم على ما فات تمحو آثار الذنب الماضي، فإن الله قد يعفو عن المذنب فيغفر له ما فرط منه من الذنوب، كما قال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ
أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ}.

121 - ثم صرح سبحانه وتعالى بالنهي عن ضد ما فهم من الأمر السابق بقوله: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} لشدة العناية؛ لأنه من أظهر أعمال الشرك فقال: {وَلا تَأْكُلُوا} أيها المؤمنون {مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}؛ أي: مما مات حتف أنفه، ولا مما أهل لغير الله به مما ذبحه المشركون لأوثانهم {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}؛ أي: وإن الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه بغير ضرورة لفسق وخروج عما يحل، أو إن ما ذكر عليه اسم غير الله لفسق ومعصية كما جاء في الآية الأخرى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} وجوز ابن عطية أن يعود الضمير على المصدر المنفي الذي تضمنه قوله: {لَمْ يُذْكَرِ} كأنه قيل: وإن ترك الذكر لفسق؛ أي: لمعصية وكفر، وهذه الجملة لا موضع لها من الإعراب، وتضمنت معنى التعليل، فكأنه قيل: لفسقه.
فصل
اختلف العلماء في ذبيحة المسلم إذا لم يذكر اسم الله عليها (¬1)، فذهب قوم إلى تحريمها سواء تركها عامدا أو ناسيا، وهو قول ابن سيرين والشعبي، ونقله الإمام فخر الدين الرازي عن مالك. ونقل عن عطاء أنه قال: كل ما لم يذكر اسم الله عليه من طعام أو شراب فهو حرام، احتجوا في ذلك بظاهر هذه الآية. وقال الثوري وأبو حنيفة: إن ترك التسمية عامدا لا تحل، وإن تركها ناسيا تحل.
وقال الشافعي: تحل الذبيحة مطلقا سواء ترك التسمية عامدا أو ناسيا،
¬__________
(¬1) الخازن.

الصفحة 27