كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 9)

ونقله البغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما ومالك في رواية عنه. ونقل ابن الجوزي عن أحمد روايتين فيما إذا ترك التسمية عامدا، وإن تركها ناسيا .. حلت، فمن أباح أكل الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها قال: المراد من الآية الميتات وما ذبح على اسم الأصنام؛ بدليل أنه سبحانه وتعالى في سياق الآية: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة الأمر بالتسمية في الصيد وغيره. وذهب الشافعي وأصحابه وهو رواية عن مالك ورواية عن أحمد أن التسمية مستحبة لا واجبة، وهو مروي عن ابن عباس وأبي هريرة وعطاء بن أبي رباح.
وأجمع العلماء على أن آكل ذبيحة المسلم التي ترك التسمية عليها لا يفسق، واحتجوا في إباحتها أيضا بما روى البخاري في «صحيحه» عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلت يا رسول الله، إن هنا أقواما حديث عهدهم بشرك يأتوننا بلحمات، فما ندري أيذكرون اسم الله عليها أم لا؟ قال: «اذكروا أنتم اسم الله وكلوا». قالوا: لو كانت التسمية شرطا للإباحة .. لكان الشك في وجودها مانعا من أكلها كالشك في أصل الذبح. وقال الشافعي: أول الآية وإن كان عاما بحسب الصيغة إلا أن آخرها لما حصلت فيه هذه القيود الثلاثة؛ وهي قوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}، {وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} .. علمنا أن المراد من هذا العموم هو الخصوص. والفسق: ذكر اسم غير الله في الذبح كما قال في آخر السورة: {قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ} إلى قوله: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} فصار هذا الفسق الذي أهل لغير الله به مفسرا لقوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} وإذا كان كذلك كان قوله: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} مخصوصا بما أهل لغير الله به، والله أعلم.
{وَإِنَّ الشَّياطِينَ}؛ أي: وإن شياطين الإنس والجن الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا {لَيُوحُونَ}؛ أي: ليوسوسون {إِلى أَوْلِيائِهِمْ} من المشركين، ويلقون إليهم بالوسوسة والتلقين الخادع ما يجادلوكم به من الشبهات {لِيُجادِلُوكُمْ}؛ أي: ليجادل أولئك الأولياء إياكم أيها المؤمنون بقولهم تأكلون ما قتلتم أنتم وجوارحكم، وتتركون ما قتله الله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ}؛ أي: وإن وافقتم أيها المؤمنون أولئك الأولياء في أكل الميتة وما حرم الله عليكم {إِنَّكُمْ}

الصفحة 28