كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 9)

باسم أبيهم مدين بن إبراهيم الخليل عليه السلام.
والمعنى: أرسلنا إلى أهل مدين أخاهم في النسب لا في الدين؛ إذ {قالَ} شعيب لقومه؛ وهم أهل كفر، وبخس للكيل والميزان {يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} وحده {ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ}؛ أي: ليس لكم إله يستحق العبادة منكم غيره تعالى؛ لأنه خالقكم وموجدكم {قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ}؛ أي: معجزة واضحة {مِنْ رَبِّكُمْ} دالة على صدقي، ولم يذكر هنا ولا في أي سورة من سور القرآن آية معينة لشعيب عليه السلام، ولكن لا بد أن تكون له آية تدل على صدقه، وتقوم بها الحجة عليهم، وليست كل آيات الأنبياء مذكورة في القرآن. وقيل: أراد بالبينة مجيء شعيب بالرسالة إليهم، وقيل: أراد بالبينة الموعظة المذكورة بقوله الآتي: {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ ...} الخ. فقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثلها آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة»؛ أي: أن كل نبي مرسل أعطاه الله تعالى من الآيات الدالة على صدقه وصحة دعوته ما شأنه أن يؤمن البشر على مثله. والبينة كل ما يتبين به الحق، فتشمل المعجزات الكونية والبراهين العقلية، والأمم القديمة لم تكن تذعن إلا لخوارق العادات.
وكانت عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يبدؤوا في الدعوة بالأهم فالأهم، ولما كانت الدعوة إلى توحيد الله وعبادته أهم الأشياء قال شعيب: اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ، ثم بعد الدعوة إلى التوحيد شرع في نهيهم عما هم عليه من المعاصي، ولما كان المعتاد من أهل مدين البخس في الكيل والوزن .. دعاهم إلى ترك هذه العادة القبيحة، وهي تطفيف الكيل والوزن، فقال: {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ}؛ أي: أتموا كيل المكيال ووزن الميزان إذا بعتم أموالكم للناس {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ}؛ أي: ولا تنقصوا عن الناس أشياءهم وأثمانهم إذا اشتريتم من الناس، أو المعنى (¬1): ولا تنقصوا حقوق الناس
¬__________
(¬1) المراح.

الصفحة 429