كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 10)

وقال أبو حيان (¬1): مناسبتها لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لمّا ذكر ما حل بالأمم السالفة من بأسه وسطوته عليهم آخر أمرهم، حين لا تجدي فيهم الموعظة .. ذكر تعالى هنا أنّ تلك عادته في أتباع الأنبياء إذا أصروا على تكذيبهم. انتهى.
قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا ...} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بيّن أخذه لأهل القرى الذين كذبوا رسلهم، وكفروا بما جاؤوا به، وظلموا أنفسهم وظلموا الناس بما افتنّوا فيه من أفانين الشرك والمعاصي، كما حكى الله في محاورتهم لرسلهم، وإجابة الرسل لهم بما سلف ذكره .. ذكر هنا لأهل مكة ولسائر الناس ما كان يكون من إغداق نعمه تعالى عليهم لو آمنوا بالرسل، واهتدوا بهديهم، واعتبروا بسنة الله في الأمم من قبلهم، فإنّ سنته تعالى في الأمم واحدة، لا تبديل فيها ولا تحويل.
قوله تعالى: {تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها ...} الآية، مناسبتها لما قبلها: أنّها خطاب وجّه إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، تسلية وتثبيتا له على الصبر على دعوته، بتذكيره بما في قصص أولئك الرسل مع أقوامهم، من وجوه العبر والمواعظ، وبيان أن ما يلاقيه منهم من ضروب العناد والاستكبار والإيذاء، ليس بدعا بين الأمم، بل ذلك طريق سلكه كثير من الأمم المجاورة لهم، كعاد وثمود وأصحاب الأيكة، وغيرهم ممن تقدم ذكرهم، وقصصهم تدور على ألسنتهم بحكم الجوار لهم، وطروق أرضهم في حلهم وترحالهم في رحلتي الشتاء والصيف.
التفسير وأوجه القراءة

88 - {قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ}؛ أي: قال الأشراف من قوم شعيب، الذين تكبروا وأنفوا عن الإيمان به، وعن اتباع ما أمرهم به وما نهاهم عنه؛ أي: قالوا مقسمين: والله {لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ} أنت من قريتنا {وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ}؛ أي:
¬__________
(¬1) البحر المحيط.

الصفحة 9