كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 11)

{وَمَا نَقَمُوا}؛ أي: وما أنكر هؤلاء المنافقون، وما كرهوا من أمر الإِسلام وبعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيهم شيئًا يقتضي الكراهة، والهم بالانتقام {إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ}؛ أي: إلا إغناء الله تعالى إياهم ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من فضله بالغنائم، التي هي عندهم أحب الأشياء لديهم في هذه الحياة، وكانوا كسائر الأنصار فقراء، فأغناهم الله تعالى ببعثة الرسول ونصره، وبما آتاه من الغنائم، كما وعده، ومن ثم قال - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: "كنتم عالةً فأغناكم الله بي".
فإن (¬1) هؤلاء المنافقين، كانوا قبل قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة في ضنك من العيش، لا يركبون الخيل، ولا يحرزون الغنيمة، وبعد قدومه - صلى الله عليه وسلم - أخذوا الغنائم، وفازوا بالأموال، ووجدوا الدولة. وقتل للجلاس مولى، فأمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بديته اثني عشر ألفًا، فاستغنى وذلك يوجب عليهم أن يكونوا محبين له - صلى الله عليه وسلم -، مجتهدين في بذل النفس والمال لأجله، فعملوا بضد الواجب، فوضعوا موضع شكره - صلى الله عليه وسلم - أن كرهوه وعابوه.
{فَإِنْ يَتُوبُوا} من النفاق، وما يصدر عنه من مساوي الأقوال والأفعال، كما وقع للجلاس بن سويد، فإنه تاب وحسنت توبته {يَكُ خَيْرًا لَهُمْ}؛ أي: يكن ذلك المتاب خيرًا لهم في الدنيا والآخرة، أما في (¬2) الدنيا فبما فيه من التوكل على الله والرضا بقضائه، والصبر على بلائه، والعمل لما فيه السعادة في الآخرة ومعاشرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومشاهدة فضائله، وأخوة المؤمنين، بعضهم لبعض، وما فيها من الود والوفاء الكامل، والإيثار على النفس إلى نحو ذلك.
وأما في الآخرة: فبما علمت مما وعد الله به المؤمنين، من الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، والمساكن الطيبة.
{وَإِنْ يَتَوَلَّوْا}؛ أي: يعرضوا عن التوبة {يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا} بقتلهم وسبي أولادهم وأزواجهم، واغتنام أموالهم؛ لأنه لما ظهر كفرهم بين الناس .. صاروا مثل أهل الحرب. فيحل قتالهم {و} في {الآخرة} بالنار
¬__________
(¬1) المراح.
(¬2) المراغي.

الصفحة 361