كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 12)

قبولها شيئًا غير ما رسخ فيها، واستحوذ عليها. والمعتدين جمع معتد، والمعتدي: المتجاوز حدود الحق والعدل، اتباعًا لهوى النفس وشهواتها.
{فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} تقدم أن الملأ أشراف الناس الذين يملؤون العيون بالمهابة، والمجالس بأجرامهم والاقتصار عليهم؛ لأنهم المتبوعون، وغيرهم من بقية قوم فرعون تبع لهم، هكذا قرره بعض المفسرين، وقرر بعضهم أن المراد بالملأ هنا، مطلق القوم، من استعمال الخاص في العام. {فَاسْتَكْبَرُوا} من باب استفعل والاستكبار ادعاء الكبر من غير استحقاق {لِتَلْفِتَنَا} اللفت والفتل أخوان، اهـ "أبو السعود"، وكلاهما من باب ضرب، ففي "المصباح" لفته لفتًا، من باب ضرب، صرفه إلى ذات اليمين أو الشمال، ومنه يقال: لفته عن رأيه إذا صرفته اهـ وفي "السمين" اللفت: اللي والصرف، لفته عن كذا؛ أي: صرفه ولواه عنه. وقال الأزهري: لفت الشيء وفتله: لواه، وهذا من المقلوب، قلت: ولا يدعى فيه قلب حتى يرجح أحد اللفظين في الاستعمال على الآخر. {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ} والكبرياء، مصدر على وزن فعلياء، ومعناها: العظمة، وسمى الملك كبرياء؛ لأنه أكبر ما يطلب من أمور الدنيا، قاله الزجاج، وقيل: سمي بذلك؛ لأن الملك يتكبر.
{ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} وقرىء سحار، والسحار، صيغة مبالغة؛ أي: كثير السحر كثير العلم بعمله وأنواعه، {إِلَّا ذُرِّيَّةٌ} الذرية في اللغة، صغار الأولاد وتستعمل في الصغار والكبار عرفًا، والذرية اسم يقع على القليل من القوم. قال ابن عباس: الذرية القليل، وقيل، المراد به: التصغير وقلة العدد {فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} الفتنة والفتون: الابتلاء والاختبار الشديد، للحمل على الفعل أو الترك والمراد به هنا: الاضطهاد والتعذيب {أن تبوءا}؛ أي: أن اتخذا لقومكما بيوتًا بمصر، يقال: تبوأ الدار، اتخذها مباءة ومسكنًا، يبوء ويرجع إليها كلما فارقها لحاجة، ويقال: بوأت زيدًا مكانًا، وبوأت لزيد مكانًا، والمبوأ: المنزل الملزوم ومثه بوأه الله منزلًا؛ أي ألزمه إياه وأسكنه فيه، ومنها الحديث "من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار". ومنه قول الراجز:

الصفحة 339