كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 12)

ربما ركن إلى ضروب من التأديب يشق على النفس احتمالها.
أسباب النزول
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ...} الآية، أخرج (¬1) ابن أبي حاتم عن عكرمة، قال: لما نزلت آية {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} وقد كان تخلف عنه ناس في البدو يفقهون قومهم، فقال المنافقون: قد بقي ناس في البوادي، هلك أصحاب البوادي فنزلت: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}. وأخرج عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: كان المؤمنون لحرصهم على الجهاد إذا بعث رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، سرية خرجوا فيها، وتركوا النبي، - صلى الله عليه وسلم -، بالمدينة في رقة من الناس فنزلت.
التفسير وأوجه القراءة

120 - وفي قوله: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ} إلخ، زيادة تأكيد لوجوب الغزو مع رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: ما صح ولا جاز لأهل المدينة عاصمة الإِسلام ومقر رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، ولا ينبغي لساكنيها من المهاجرين والأنصار، {و} لا لـ {من حولهم من الأعراب}؛ أي: من سكان البوادي، كمزينة وجهينة وأشجع وغفار وأسلم، {أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ}، - صلى الله عليه وسلم -، ويتأخروا عنه في الخروج للغزو في سبيل الله، كما فعل بعضهم في غزوة تبوك، ولا في غيره من شؤون الأمة ومصالح الملة، فإن السمع والطاعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واجب وكذلك غيره من الولاة والأئمة إذا ندبوا وعينوا. وإنما (¬2) خصهم الله سبحانه وتعالى بالذكر؛ لأنهم قد استنفروا فلم ينفروا، بخلاف غيرهم من العرب فإنهم لم يستنفروا مع كون هؤلاء لقربهم وجوارهم أحق بالنصرة والمتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، {وَلَا} أن، {يَرْغَبُوا} ويتخلفوا، {بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ} صيانة وحفظ، {نفسه} - صلى الله عليه وسلم -، الشريفة فيشحون بأنفسهم ويصونونها، ولا يشحون بنفس رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، ويصونونها كما شحوا بأنفسهم وصانوها، بل واجب عليهم أن يكابدوا معه المشاق ويجاهدوا بين يديه
¬__________
(¬1) لباب النقول.
(¬2) الشوكاني.

الصفحة 96