كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 13)

لِسَانه منْ قفاه، ففَعَلوا، فمات في تلك الليلة. ومِنَ العَجَبِ أنه أنشد قَبْلَ ذلك إلى المعتزِّ والمؤيد، وكان يعلِّمُهما فقال:
يُصَابُ الْفَتَى مِنْ عَثْرَةٍ بِلِسَانِهِ ... ولَيْسَ يُصَابُ الْمَرْءُ مِنْ عَثْرَةِ الرِّجْلِ
فَعَثْرَتُهُ فِيْ الْقَوْلِ تَذْهَبُ عَثْرَتُه ... وَعَثْرَتهُ في الرِّجْلِ تَبْرَأ عَلَى مَهْل

15 - قوله: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ} مرتب على محذوف تقديره: ولما رَأَى يعقوب إلحاحَ إخوة يوسف في خروجه معهم إلى الصحراء، ومبالغتهم في العهد، واليمين، ورَأَى أيضًا ميل يوسف إلى التفرج، والتنزه معهم رضِيَ بالقضاء، فأرسله معهم. وهذا (¬1) المقدر معطوف على قوله سابقًا: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَع} إلخ. قال الحسن: كان بين خروج يُوسُفَ من حجر أبيه إلى يوم التلاقي ثَمانُون سنة، لم تجفَّ فيها عَيْنا يعقوب، وما على الأرض أكْرَمُ على الله منه، اهـ خازن؛ أي: فلمَّا ذهبوا به من عند يعقوب {وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ}؛ أي: عَزَمُوا، واتفقوا على أن يلقوه {فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ}؛ أي: في قَعْرِ البئر، وأسفلِه، وظلمته. وكان (¬2) على ثلاثة فراسخَ من منزل يعقوب بكنعان، التي هي من نواحي الأردن، حَفَره شداد حين عَمَر بلاد الأردن، وكَانَ أعلاه ضَيِّقًا، وأسفله وَاسِعًا. وجواب (لمَّا) محذوف تقديره: فعلوا به ما فعلوا من الإذاية. وقيل: جوابه: {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ}. وقيل: يكون تقدير الجواب جَعَلُوه فيها. وقيل: الجوابُ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} و {الواو} مقحمة ومثلُه قَوْلُه: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ}؛ أي: ناديناه {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ}؛ أي: وأوحينا إلى يوسف في الجب إزالةً لوحشته عن قلبه، وتبشيرًا له بما يؤول إليه أمره، وكَانَ ابنَ سبع سنين أو دونها. فاجتمع (¬3) مع كونه صغيرًا على إنزال الضرر به، عشرة رجال من إخوته بقلوب غليظة، قد نُزِعَتْ عنها الرحمة, وسلِبَتْ منها الرأفة، فإنَّ الطبعَ البشريَّ - دَعْ عنْكَ الدِّينَ - يتجاوز عن ذنب الصغير, ويغتفره لضعفه عن الدفع، وعَجْزِه عن أيسر شيء يُرادُ
¬__________
(¬1) الفتوحات.
(¬2) روح البيان.
(¬3) الشوكاني.

الصفحة 332