كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 14)
أي: فلما كلم يوسف الملك، وشاهد منه الملك ما شاهد من الرشد والدهاء، وهو جودة الرأي {قَالَ} له الملك: {إِنَّكَ} أيها الصديق {الْيَوْمَ لَدَيْنَا}؛ أي: عندنا وبحضرتنا {مَكِينٌ}؛ أي: ذو مكانة سامية، ومنزلة رفيعة عالية {أَمِينٌ}؛ أي: ذو أمانة تامة، فأنت غير منازع في تصرفك، ولا متهم في أمانتك، وأنت مؤتمن عندنا على كل شيء، واليوم (¬1) ليس بمعيار لمدة المكانة، بل هو آن التكلم. والمراد تحديد مبدئهما احترازًا عن احتمال كونهما بعد حين. وفي هذا إيماء (¬2) إلى أن الحوار بين المتخاطبين يظهر معارف الإنسان وأخلاقه وآدابه وجميع شمائله، فيقدره من يعرف أقدار الرجال، ويزنهم بفضائلهم ومزاياهم. والظاهر أن الملك كلمه مشافهة بدون ترجمان؛ لأن يوسف كان قد عرف اللغة المصرية من العزيز وامرأته بمحادثته إياهما، ومن حاشية الوزير من حين قدم مصر، ومن محادثته صاحبيه في السجن.
وقد تكون اللغة التي كان يتكلم بها يوسف لغة جده إبراهيم وأولاده وحفدته، وكانوا من العرب القحطانيين، ثم تفرعت من هذه العربية الإسماعيلية، فالمصرية والعبرانية والسريانية. وكان ملوك مصر وكبراء حكامها في ذلك العهد من أولئك العرب، وهم الذين يسمون بالرعاة، ويقول المؤرخون: إن ملك مصر في ذلك العهد كان يسمى الوليد بن الريان.
فلما سمع يوسف من الملك قوله: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ}.
55 - {قَالَ}: يوسف للملك {اجْعَلْنِي} أيها الملك واليًا {عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} وأموالها التي تخزن وتدخر فيها؛ أي: ولني أمر الأرض التي أمرها إليك، وهي أرض مصر، أو اجعلني على حفظ خزائن الأرض. والخزائن: جمع خزانة، وهي اسم للمكان الذي تخزن فيه غلات الأرض ونحوها. طلب (¬3) يوسف عليه السلام منه ذلك ليتوصل به إلى نشر العدل ورفع الظلم، ويتوسل به إلى دعاء أهل مصر إلى
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) المراغي.
(¬3) الشوكاني.
الصفحة 12
472