كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 14)
نأجرهم عليها سعادة وهناءة، وقد بذلنا تلك النعم لمن يطلبها متى أتى الأمور من أبوابها، وسار على مقتضى السنن التي وضعناها.
أما من يسيؤون التصرف فيها .. فتصيبهم المنغصات، وتتوالى عليهم المكدرات، فالمسرفون لا يلبثون أن ينالهم الفقر والعدم، والظالمون يثيرون أضغان المظلومين، وذووا الخيلاء والبطر يكونون محتقرين، وقلما يصيب المحسنين الشاكرين من ذلك شيء، وإن نالهم منه شيء يكون هينًا عليهم، وهم عليه صبر.
وفي الآية (¬1) إيماء إلى أنه ما أضاع صبر يوسف عليه السلام على أذى إخوته، وصبره على الحبس بسبب امرأة العزيز، بل كان جزاؤه ما مكن له في الأرض لدى ملك مصر.
57 - {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ}؛ أي: وعزتي وجلالي لأجرهم في الآخرة، فاللام فيه موطئة للقسم، وأضيف الأجر إلى الآخرة للملابسة، وأجرهم فيها هو الجزاء الذي يجازيهم الله به فيها؛ وهو الجنة التي لا ينفد نعيمها، ولا تنقضي مدتها؛ أي: ولأجر الآخرة وثوابها {خَيْرٌ} وأفضل من أجر الدنيا {لِلَّذِينَ آمَنُوا} بالله ورسله {وَكَانُوا يَتَّقُونَ} الله تعالى، ويخافونه بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات. وفي الآية (¬2) إيماء إلى أن الذي أعد الله سبحانه وتعالى ليوسف عليه السلام في الآخرة من الأجر والثواب الجزيل أفضل مما أعطاه الله تعالى في الدنيا من الملك.
وقد ثبت (¬3): أن الله تعالى شهد بأن يوسف عليه السلام كان من المتقين ومن المحسنين ومن المخلصين، والمعنى (¬4): أي: إن أجر الآخرة؛ وهو نعميها يكون للمؤمنين المتقين، وهو خير لهم من أجر الدنيا لأهلها وإن بلغوا سلطان الملك، فإن ما أعده لأولئك ليتضاءل أمامه كل ما فيها من مال وجاه وزينة، ولا
¬__________
(¬1) المراغي.
(¬2) الخازن.
(¬3) المراح.
(¬4) المراغي.
الصفحة 17
472