كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 14)
بالزاد وما يحتاج إليه المسافر. قال ابن عباس (¬1): حمل لكل واحد منهم بعيرًا من الطعام، وأكرمهم في النزول، وأحسن ضيافتهم، وأعطاهم ما يحتاجون إليه في سفرهم. قال الأزهري (¬2): القراء كلهم على فتح الجيم، والكسر لغة جيدة. وقال أبو حيان: وقرىء بكسر الجيم قلت: وقراءة الكسر شاذة وليست بمتواترة.
ومعنى {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ}؛ أي: ولما هيأ لهم جهازهم وأهبة سفرهم ومؤنته - يقال: جهزت المسافر بالتشديد: هيأت له جهازه، وجهاز السفر: أهبته وما يحتاج إليه في قطع المسافة؛ أي: ولما أوقر ركائبهم بما جاؤوا لأجله من الميرة والطعام، وجهزهم بما سوى ذلك من الزاد، وبما يحتاج إليه المسافرون عادة على قدر طاقتهم وبيئتهم {قَالَ} يوسف عليه السلام: {ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ}؛ أي: جيئوني بأخيكم {مِنْ أَبِيكُمْ} هو شقيقه بنيامين إذا رجعتم، لتمتاروا مرة أخرى، لأعلم صدقكم فيما قلتم: إن لنا أخًا من أبينا عند أبينا، وسبب (¬3) ذلك أن يوسف ما كان يعطي لأحد إلا حمل بعير، وقد كان إخوته عشرة، فأعطاهم عشرة أحمال، فقالوا: إن لنا أبًا شيخًا كبيرًا وأخًا آخر بقي معه، وإن أباهم لتقادم سنه وشدة حزنه لا يستطيع الحضور، وإن أخاهم بقي في خدمة أبيه، ولا بدّ لهما من شيء من الطعام، فجهز لهما بعيرين آخرين، وقال: جيئوني بأخيكم لأراه وأصدقكم فيما قلتم. وإنما (¬4) قال: {بِأَخٍ لَكُمْ} ولم يقل بأخيكم بالإضافة مبالغة في إظهار عدم معرفته لهم، فإنه فرق بين مررت بغلامك، ومررت بغلام لك. فإنك في التعريف تكون عارفًا بالغلام دون التنكير لأنك جاهل به. فالتعريف (¬5) يفيد نوع عهد في الغلام بينك وبين المخاطب، والتنكير لا عهد فيه البتة، وجائز أن تخبر عمن تعرفه إخبار النكرة، فتقول: قال رجل لنا وأنت تعرفه؛ لصدق إطلاق النكرة على المعرفة.
{أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ}؛ أي: أني أتمه ولا أبخس منه شيئًا، وأزيدكم
¬__________
(¬1) الشوكاني.
(¬2) المراغي.
(¬3) روح البيان.
(¬4) البحر المحيط.
(¬5) الخازن.
الصفحة 20
472