كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 14)

عَنْهُ أَبَاهُ}؛ أي: سنطلبه من أبيه، ونحتال على أن ننتزعه من يده، ونجتهد في ذلك بما نقدر عليه. وقيل معنى المراودة هنا: المخادعة منهم لأبيهم والاحتيال عليه حتى ينتزعوه منه؛ أي: سنخادعه عنه ونحتال في انتزاعه من يده، ونجتهد في ذلك. وفيه تنبيه على عزة المطلب وصعوبة مناله {وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} ما أمرتنا به غير مفرطين ولا متوانين فيه من أن نجيئك بأخينا، فإنهم كانوا محتاجين إلى تحصيل الطعام، ولا يمكن إلا من عنده. وعبروا (¬1) بما يدل على الحال تنبيهًا على تحقق وقوعه، كقوله تعالى: {وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)}. وقيل معناه: وإنا لقادرون على ذلك لا نتعانى به ولا نتعاظمه.

62 - {وَقَالَ} يوسف {لِفِتْيَانِهِ}؛ أي: لغلمانه الكيالين؛ أي: الموكلين على خدمة الكيل، جمع فتى؛ وهو المملوك شابًا كان أو شيخًا {اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ} التي اشتروا بها الطعام وكانت نعالًا وجلودًا {فِي رِحَالِهِمْ}؛ أي: في أمتعتهم من حيث لا يشعرون؛ أي: دسوها في جواليقهم وذلك بعد أخذها وقبولها، وإعطاء بدلها من الطعام، ووكّل بكل رَحْلٍ واحدًا من غلمانه يدس فيه البضاعة التي اشتري بها الطعام الذى في هذا الرحل. والمراد (¬2) بالبضاعة هنا: هي التي وصلوا بها من بلادهم ليشتروا بها الطعام، وكانت نعالًا وأدمًا، فعل يوسف ذلك تفضلًا عليهم. وقيل: فعل ذلك ليرجعوا إليه مرة أخرى؛ لعلمه أنهم لا يقبلون الطعام إلا بثمن. قاله الفراء. وقيل: فعل ذلك ليستعينوا بها على الرجوع إليه لشراء الطعام. وقيل: إنه استقبح أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمن الطعام.
وقرأ الأخوان (¬3) - حمزة والكسائي - وحفص عن عاصم وخلف العاشر: {لِفِتْيَانِهِ} - بالنون - واختار هذه القراءة أبو عبيد، ومثل هذه القراءة في مصحف عبد الله بن مسعود، وقرأ باقي العشرة وشعبة عن عاصم: {لفتيته} واختار هذه القراءة أبو حاتم والنحاس وغيرهما. قال النحاس {لِفِتْيَانِهِ} مخالف للسواد الأعظم ولا يترك السواد المجمع عليه لهذا الإسناد المنقطع، وأيضًا فإن فتية أشبه
¬__________
(¬1) الشوكاني.
(¬2) زاد المسير والبحر المحيط.
(¬3) الشوكاني.

الصفحة 22